أصدر معهد الاقتصاد والسلام الدولي نسخته الثانية عشرة من تقرير مؤشر الإرهاب العالمي، الذي تستند بياناته إلى معلومات واردة من قاعدة بيانات (Dragonfly’s Terrorism Tracker)، ويتضمن التقرير عرضاً شاملاً لظاهرة الإرهاب، من خلال تحليل الأبعاد المتعلقة بها، والكشف عن الأيديولوجيات الخاصة بالتنظيمات الإرهابية، وتحليل دينامياتها التي تتغير مع الوقت؛ لتعزيز مكاسبها الاستراتيجية، ويغطي التقرير قرابة 163 دولة؛ ونظراً لتصدر دول إقليم الساحل والصحراء قائمة الدول الأكثر تأثراً بظاهرة الإرهاب خلال عام 2024، سيتم إبراز ملامح تطور النشاط الإرهابي بالقارة، واستعراض أكثر التنظيمات الإرهابية نشاطاً، إلى جانب تحليل السياقات التي أدت إلى تنامي النشاط الإرهابي بالدول الإفريقية.
أولاً: ملامح النشاط الإرهابي في إفريقيا:
كشف التقرير عن عدة ملامح تتعلق بالنشاط الإرهابي بالقارة، خلال عام 2024، وذلك على النحو التالي:
1. استمرار محفزات النشاط الإرهابي: أدت العديد من العوامل إلى تنامي ظاهرة الإرهاب، منها: ضعف الحكومات المركزية؛ الاختلافات العرقية؛ هشاشة الأجهزة الأمنية؛ ناهيك عن الصراعات حول استخراج الموارد الطبيعية مثل الذهب؛ مما أدى إلى حالة من عدم الاستقرار السياسي، حيث استغلت التنظيمات الإرهابية، كالقاعدة وتنظيم داعش الإرهابييْن الأوضاع المتوترة، وأنشأت فروعاً محلية لها.
من جهة أخرى؛ أدى ضعف الأجهزة الأمنية إلى ظهور جماعات مسلحة، كالدوجون والفولاني والبامبارا، واضطرت تلك الجماعات إلى تسليح نفسها لضمان سلامتها؛ مما تسبب في تنامي الصراعات بين تلك القبائل للسيطرة على الموارد، كما حدث في بوركينا فاسو بين الموسى والفولاني؛ وقد أدى تزايد العنف بين القبائل إلى تمكن الجماعات الجهادية، وخاصة داعش وجماعة نصرة الإسلام من استقطاب أعداد كبيرة، وتصعيد هجماتها، فوفقاً للتقرير سجلت توغو خلال عام 2024 عشر هجمات، و52 حالة وفاة، وهو أكبر عدد من الهجمات تشهده الدولة على مدار السنوات الماضية.
2. تنويع مصادر التمويل: تعتمد الجماعات الإرهابية في منطقة الساحل على مجموعة من الأنشطة الاقتصادية غير المشروعة لدعم عملياتها، لعل أبرزها فرض ضرائب على مناطق سيطرتها لتوفير الأمن والحماية للسكان، فيما تمثل تجارة المخدرات واحدة من أكثر الأنشطة غير المشروعة المربحة مالياً المرتبطة بالإرهاب في منطقة الساحل، وعلى الرغم من أن الجماعات الإرهابية لا تعمل مباشرة في إنتاج المخدرات أو تجارتها؛ فإنها توفر الحماية للمتاجرين بها، وتفرض ضرائب على عمليات التهريب التي تمر عبر مناطق سيطرتها، وتتبنى الجماعات الإرهابية أيضاً نهج الاختطاف للحصول على فدية، وهو ما يُعد ضمن مصادر التمويل الرئيسية، ووفقاً للتقرير فقد شهدت عمليات الاختطاف انخفاضاً ملحوظاً خلال عام 2024، بنسبة 94%، من 144 حالة إلى 8حالات.
3. محاولات للسيطرة على مناجم الذهب: يمكن ربط الإرهاب وبعض أعمال العنف القبلي باستغلال الموارد الطبيعية، وخاصة الذهب، فوفقاً للتقرير يوجد شكلان لتعدين الذهب في المنطقة؛ التعدين الصناعي وهو الأوسع نطاقاً، ويقع ضمن نطاق اختصاص الحكومات المركزية، بالتعاون مع الشركات متعددة الجنسيات؛ والآخر يعرف بتعدين الذهب الحرفي، وهي عمليات على المستوى المحلي، حيث تشكل مصدراً للإيرادات للحكومات المحلية، والجماعات الإرهابية في حال سيطرتها على مناطق تضم مناجم ذهب، وقد توسعت عمليات تعدين الذهب الحرفي بسرعة في إقليم الساحل، خاصة في مالي وبوركينا فاسو والنيجر، ويشكل الذهب عنصراً أساسياً في ديناميكيات الصراع في بعض هذه المناطق التي تفتقر لوجود حكومة قوية، بينما توجه الإيرادات التي يتم جمعها جراء عمليات التعدين لتمويل أنشطة التنظيمات الإرهابية، فوفقاً للتقرير استهدفت الهجمات الإرهابية في بوركينا فاسو منذ 2018 مناجم للذهب.
وفي أغلب الأحيان؛ لا تقوم الجماعات الإرهابية بمنطقة الساحل باستخراج الذهب، أو الاتجار به، أو تهريبه فقط، بل تسيطر على المناطق التي يتم فيها تعدين الذهب، وتقوم بجمع الضرائب من عمال المناجم، وقد دفع ذلك المجلس العسكري في بوركينا فاسو، في يوليو 2022، لإغلاق مواقع الذهب الحرفية جزئياً، لتقييد وصول الجماعات الجهادية إلى الأموال، ومع ذلك يرجح أن تستمر المناجم التي تقع في المناطق التي لم تعد الدولة تسيطر على أراضيها بالعمل، حيث تسيطر الحكومة في بوركينا فاسو على ما بين 50 و60%؛ مما يعني أن جزءاً كبيراً من المنطقة الغنية بالذهب في شمالي البلاد، يقع خارج سيطرة النظام.
4. محدودية المبادرات الإقليمية الأمنية: أعلنت مالي وبوركينا فاسو والنيجر عن تشكيل قوة عسكرية مشتركة قوامها 5 آلاف جندي، بعد انسحابها من "الإيكواس"؛ نتيجة فشل غالبية المبادرات التي طرحت في مواجهة التحديات الأمنية، ووفقاً للتقرير ينبغي أن يتم تنسيق التعاون العسكري بين كافة دول القارة وعدم اقتصاره على دول الساحل الثلاث، بحيث يشمل دول شمال إفريقيا، ودول الساحل الأخرى، ومن المهم أيضاً أن تظل الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي لهما دور ضمن جهود مكافحة الإرهاب، إلى جانب العمل على تنسيق الجهود لتعطيل تدفق التمويل غير المشروع إلى الجماعات الإرهابية، ومع ذلك من المرجح أن يفشل هذا النمط من التعاون؛ نظراً لتضارب مصالح تلك الأطراف، واشتداد حدة المنافسة فيما بينها، وتنامي الأطماع في السيطرة على موارد دول القارة.
ثانياً: تمدد جغرافيا النشاط الإرهابي:
وفقاً لتقرير مؤشر الإرهاب العالمي؛ يُعد إقليم الساحل والصحراء الأكثر تضرراً بالعمليات الإرهابية، للعام الثامن على التوالي، حيث يضم 19% من الهجمات الإرهابية، التي أدت إلى نصف الوفيات الناجمة عن الإرهاب على مستوى العالم، وسلط التقرير الضوء على أكثر البلدان تأثراً بالنشاط الإرهابي، كالتالي:
1. بوركينا فاسو: تُعد بوركينا فاسو الدولة الأكثر تضرراً بالإرهاب في عام 2024، حيث سجلت أكبر عدد من الوفيات بإجمالي 1532 حالة وفاة، كما بلغ متوسط الوفيات نحو 14 حالة وفاة لكل هجوم، خلال عام 2024، مقارنة بـ7 حالات وفاة لكل هجوم في عام 2023، وقد حدث خُمس الوفيات المسجلة عالمياً داخل حدودها؛ مما يسلط الضوء على خطورة أزمة الأمن في البلاد، ومع ذلك شهدت بوركينا فاسو ثاني أكبر انخفاض في الإرهاب خلال عام 2024، رغم أنها الدولة الأكثر تضرراً جراء الهجمات الإرهابية، وقد جاء هذا التراجع بعد الإجراءات المشددة التي اتخذتها الحكومة، بعد مقتل 200 شخص في هجوم لجماعة نصرة الإسلام والمسلمين في أغسطس 2024، وعقب هذا الهجوم تم تسجيل 27 هجوماً فقط؛ أدت إلى 144حالة وفاة، خلال الأشهر الأربعة التالية، مقارنة بـ50هجوماً، و777 حالة وفاة، في الأشهر الأربعة السابقة.
2. النيجر: بلغ الإرهاب في النيجر مستويات غير مسبوقة خلال عام 2024، حيث ارتفع عدد الهجمات الإرهابية إلى 101 في عام 2024، مقارنة بـ62 في العام الماضي، بينما تضاعف عدد الوفيات تقريباً، حيث تم تسجيل 930 في عام 2024، مقارنة بـ479 في عام 2023. وزادت وفيات المدنيين في النيجر بنحو ثلاثة أضعاف في عام 2024، بينما ارتفعت وفيات العسكريين إلى 499، مقارنة بـ340 في 2023، وهو ما يمثل أكثر من نصف جميع الوفيات في البلاد، وقد خلقت الاضطرابات السياسية والأمنية التي أعقبت انقلاب يوليو 2023 بيئة مواتية للاستغلال من قبل الجماعات الجهادية، كما أدى انسحاب الولايات المتحدة في أغسطس 2024 إلى تفاقم الفراغ الأمني، وهو ما منح فرصة لجماعات مثل جماعة نصرة الإسلام والمسلمين وداعش لتصعيد أنشطتها في المنطقة.
3. مالي: سجلت مالي 604 حالات وفاة؛ ناتجة عن 201 هجوم، لتسجل انخفاضاً بنسبة 21% عن العام الماضي، ورغم انخفاض مستويات الإرهاب، تواصل الجماعات المتطرفة استغلال عدم الاستقرار، حيث شهدت العاصمة باماكو نشاطاً إرهابياً لأول مرة منذ عام 2016، بعدما أسفرت 3هجمات في عام 2024 عن مقتل 70 شخصاً، وفي يوليو 2024، تكبد الجيش المالي وقوات من فيلق إفريقيا خسائر كبيرة خلال كمين نصبه لها متمردو الطوارق بالقرب من تينزاوتين؛ مما أثار تساؤلات حول فاعلية الفيلق الإفريقي بالمنطقة.
4. نيجيريا: رغم انخفاض الهجمات في نيجيريا بنسبة 37%، استمرت الوفيات الناجمة عن الإرهاب في الارتفاع، حيث زادت بنسبة 6% بإجمالي 565 خلال عام 2024، ويُعد هذا أعلى عدد من القتلى منذ عام 2020، كنتاج للصراع المستمر بين تنظيم الدولة الإسلامية في غرب إفريقيا وبوكو حرام، حيث بلغت الوفيات المنسوبة إلى هذا الصراع ما يقرب من 60% من جميع الوفيات المرتبطة بالإرهاب في البلاد، فيما يُعد المدنيون الفئة الأكثر استهدافاً خلال عام 2024، حيث شكلوا 62% من جميع الوفيات، مقارنة بـ21% في عام 2023.
5. الصومال: بلغ إجمالي الوفيات 359 حالة وفاة، بمعدل انخفاض قدره 19%، و144 حادثاً إرهابياً بمعدل انخفاض قدره 29%، ويمثل هذا الانخفاض سادس أكبر انخفاض عالمي في الوفيات؛ نتيجة تراجع نشاط حركة الشباب المسؤولة عن 96% من الوفيات، حيث قامت الحكومة الصومالية بمساعدة القبائل المحلية بفرض إجراءات مشددة ضد حركة الشباب، ومع ذلك، فإن الخلافات بين الحكومة الصومالية وبعض القبائل المحلية قد زادت من تعقيد المشهد الأمني في البلاد؛ ما من شأنه تقويض مبادرات مكافحة الإرهاب؛ مما قد يسمح للجماعات الإرهابية بإعادة تجميع صفوفها واستعادة قوتها.
رابعاً: أبرز النتائج:
استناداً إلى ما سبق، يمكن إجمال أبرز ما ورد في تقرير مؤشر الإرهاب العالمي 2025، حول مستوى النشاط الإرهابي، في إفريقيا، خلال عام 2024، في النقاط التالية:
1. تحسن متوسط درجة مؤشر الإرهاب العالمي بشكل طفيف في إفريقيا جنوب الصحراء، خلال عام 2024، حيث لم تشهد سوى 7 دول في إفريقيا جنوب الصحراء تدهوراً، فيما حصلت 22 دولة في المنطقة على درجة صفر في مؤشر الإرهاب العالمي؛ أي إنها لم تسجل أي حادث إرهابي في السنوات الخمس الماضية؛ مما يشير إلى تحول إيجابي، ومع ذلك، فإن 6 دول من بين الدول العشر الأكثر تأثراً بالإرهاب في عام 2024، تقع في إفريقيا جنوب الصحراء.
2. انخفض إجمالي الهجمات في المنطقة إلى 947، مقارنة بـ1253 في عام 2023، وهو انخفاض بنسبة 25%، وأقل عدد من الهجمات منذ عام 2016، كما انخفضت الوفيات من 5050 في عام 2023 إلى 4794في عام 2024.
3. شهدت النيجر، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وموزمبيق، ونيجيريا ، ومالي، وبوركينا فاسو أعلى معدلات في عدد الوفيات الناجمة عن الإرهاب في العام الماضي، حيث ارتفعت الوفيات في النيجر بنسبة 94% من 479 إلى 930 في عام 2024، وهو ثالث أعلى عدد وفيات بسبب الإرهاب مسجل عالمياً، وسجلت النيجر أكبر تدهور في درجة مؤشر الإرهاب العالمي في المنطقة، حيث شهدت أكبر عدد للوفيات والهجمات المسجلة في البلاد على الإطلاق، كما وقع أعنف هجوم إرهابي على مستوى العالم خلال عام 2024 في النيجر، بعدما قُتل نحو 237 جندياً بالقرب من الحدود المالية، ولم تعلن أي جماعة مسؤوليتها عن الهجوم، فيما تُعد مالي ثاني أكثر الدول تضرراً بالإرهاب في المنطقة، حيث تم تسجيل 201 حادثة و604 حالات وفاة.
4. شهدت توغو معدلات تدهور عالية وفقاً لمؤشر الإرهاب العالمي، حيث سجلت 10 هجمات، أسفرت عن 52 حالة وفاة، كما شهدت البلاد تصاعداً لنشاط جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، التي نفذت 4 هجمات، تسببت في مقتل 41 شخصاً، بينما وقع أعنف هجوم في توغو في أكتوبر 2024، عندما هاجم مسلحون من جماعة نصرة الإسلام مجموعة من الجنود، بالقرب من حدود البلاد مع بوركينا فاسو؛ مما أسفر عن مقتل 9 جنود و10 مدنيين، كما سجلت الكونغو الديمقراطية تدهوراً كبيراً في درجتها خلال عام 2024؛ نتيجة تصاعد الهجمات من قبل تنظيم الدولة الإسلامية، فمن بين 30 هجوماً، و304 حالات وفاة ناجمة عن الإرهاب، تم تسجيلها في البلاد، نُسب 28 هجوماً، و299 حالة وفاة، إلى تنظيم الدولة الإسلامية.
5. تُعد تنزانيا الدولة الأكثر تحسناً في المنطقة للعام الثاني على التوالي، فلم تسجل البلاد أي حوادث، كما لم تسجل جمهورية إفريقيا الوسطى، وإثيوبيا، وكوت ديفوار أي هجمات للعام الثاني على التوالي.
المراجع
_ الشيخ محمد، 10/3/2025، إفريقيا في تقرير مؤشر الإرهاب العالمي 2025، المستقبل للابحاث والدراسات المستقبلية.
_ تقرير مؤشر الارهاب العالمي، 23/3/2025، إفريقيا في تقرير مؤشر الإرهاب العالمي، المستقبل للابحاث والدراسات المستقبلية.