قد يكون تعبير “الإبادة الثقافية” من الأفكار الغامضة والذي لا يخضع إلى أي تعريف ثابت ومستقر ، البعض لم يتردد بالقول إنه ليس له أية قيمة قانونية، لكن مع ذلك فإن هذا المفهوم كان محل دراسة العديد من الفقهاء وعلى رأسهم المحامي البولندي رفاييل لمكين “Raphael Lemkin”.
جريمة الإبادة الثقافية من الجرائم الدولية، التي لم تحظ بتنظيم ٍكاملٍ من قبل القانون الدولي، حيث أن اتفاقية الأمم المتحدة لمنع إبادة الجنس البشري والمعاقبة عليها سنة 1948، لم تجعلها من ضمن صور الإبادة الجماعية، وذلك لتناقض المواقف بين الدول المختلفة ، خوفاً من أن تطالها المسؤولية الدولية .
وقامت الجمعية العامة للأمم المتحدة، بإصدار القرار رقم 135/47 في 18/12/1992، تحت مسمى الإعلان بشأن حقوق الأشخاص المنتمين إلى أقليات قومية أو أثنية وإلى أقليات دينية ولغوية، والقرار رقم 295/61 في 13/ 9/2007 بشأن حقوق الشعوب الأصلية ، ونصَّ على مجموعة من الحقوق يجب على الدول أن تمنحها للأقليات والشعوب الأصلية ، ونصَّ أيضاً على مجموعة من الأعمال يجب على الدول الإمتناع عن القيام بها في مواجهة الأقليات والشعوب الأصلية ، ولكن الإشكالية هي عدم إلزامية القرارات والتوصيات والإعلانات الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة ، وأمام هذا الوضع فإن البحث يتطرق للقواعد القانونية لجريمة الإبادة الثقافية ، مع دراسة حالة أقلية الإيغور المسلمة في الصين .
الإبادة الثقافية في ضوء القانون الجنائي الدولي:
إن مبدأ إنشاء المحاكم الجنائية الخاصة المسماة Adhoc ، أي تلك المحاكم التي لها اختصاص محدود من حيث الزمان أو المكان ، تم تبنيه من قبل مجلس الأمن في القرار رقم 808لعام 1993 كردة فعل لتلك الجرائم التي ارتكبت في يوغسلافيا السابقة ، وبعد عدة سنوات تم تبني نظام روما الأساسي لعام 1998 وبموجبة أصبح هناك محكمة جنائية دولية ذات اختصاص عالمي لمواجهة أشد الجرائم وعلى رأسها جريمة الإبادة الجماعية.
كانت الحاجة إلى منع الإبادة الجماعية ومعاقبة مرتكبيها موضع اهتمام المجتمع الدولي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. وعُرّفت الإبادة الجماعية بأنها جريمة بموجب القانون الدولي في اتفاقية الإبادة الجماعية لعام 1948
وفي موقف آخر عندما تم تبني مشروع إعلان الأمم المتحدة حول حقوق الشعوب الأصلية لعام 1994 والذي ينص على ما يلي:
1- للشعوب الأصلية وأفرادها الحق في عدم التعرض للإبادة الثقافية خاصة من خلال آليات فعالة لمنع أو إصلاح أي عمل يهدف أو يؤدي إلى حرمان الشعوب الأصلية من سلامتها بوصفها شعوبا متميزة أو من قيمها الثقافية أو هوياتها الإثنية .
2- أي عمل يهدف أو يؤدي إلى نزع ملكية أراضيها أو أقاليمها أو مواردها.
3- أي شكل من أشكال نقل السكان القسري يهدف أو يؤدي إلى انتهاك أو تقويض أي حق من حقوقهم.
4- أي شكل من أشكال الاستيعاب أو الإدماج القسري.
5- أي دعاية موجهة ضدها تهدف إلى تشجيع التمييز العرقي أو الإثني أو التحريض عليه.
المحاكم الدولية ما زالت مترددة اتجاه مفهوم الإبادة الثقافية:
تنص المادة 38 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية أن وظيفة المحكمة أن تفصل في المنازعات التي ترفع إليها وفقاً لأحكام القانون الدولي، وهي تطبق في هذا الشأن:
أ- الاتفاقات الدولية العامة والخاصة التي تضع قواعد معترفاً بها صراحة من جانب الدول المتنازعة. ب- العادات الدولية المرعية المعتبرة بمثابة قانون دل عليه تواتر الاستعمال.
ج- مبادئ القانون العامة التي أقرتها الأمم المتمدنة.
د- أحكام المحاكم ومذاهب كبار المؤلفين في القانون العام في مختلف الأمم.
مما لا شك فيه أن السوابق القضائية تساعد على سد النقص في التشريعات التي تعجز في الغالب عن ملاحقة التطورات السريعة في مجالات الحياة المتعددة. وبما أن اتفاقية 1948 قد تجاهلت مفهوم الإبادة الثقافية صراحة، فمن الضروري أن نبحث في موقف القضاء الدولي في هذا الشأن خاصة بعد 63 سنة على تبني تلك الاتفاقية.
وعلى الرغم من ان المحاكم الخاصة الدولية تعترف بصعوبة إثبات القصد أو النية في جرائم الإبادة إلا أنها مع ذلك تساعد على فهم مفهوم الإبادة الثقافية بشكل غير مباشر. نعلم جيداً أن النية الجرمية في جرائم الإبادة ليس من السهل إثباتها إلا إذا اعترف الفاعل بدوافعه، لهذا السبب لم تتردد المحاكم الدولية بالقول صراحة أن النية الجرمية يمكن إثباتها من خلال الظروف المحيطة بالقضية:
خاتمة
إن التمييز العنصري وعدم المساواة يعتبران من أهم المشاكل التي تواجه المجتمعات كما أنهما يعتبران من أهم التحديات التي تواجه حقوق الإنسان. لقد كانت العبودية المنتشرة في الولايات المتحدة ومجازر الهولوكوست في أوروبا والتمييز العنصري في جنوب إفريقيا وجرائم الإبادة الجماعية في رواندا من أكثر الأمثلة الحية على هذه الحقيقة. الكل يعلم ما مدى الآثار الكارثية للتمييز العنصري على البشرية لذلك فقد تبنى المجتمع الدولي الكثير من الترسانات القانونية الضرورية لوقف هذا التحدي الكبير منها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق السياسية والمدنية والاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان والاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان والميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان. لكن لا بد من الاعتراف بأن التحدي الحالي كبير جداً والوسائل القانونية الحالية قد لا تكون كافية لمواجهة هذا التحدي. نحن بحاجة إلى أجهزة رصد لمواجهة الجرائم الدولية وعلى رأسها جريمة الإبادة الجماعية. إن اتفاقية 1948 لها هدف ثنائي واضح قائم على المنع والقمع. قد يكون الهدف القائم على القمع هو الهدف الأكثر وضوحاً لكن واجب القمع يجب أن يعطى له أهمية عظمى بحيث يتم استباق تلك الجرائم قبل وقوعها. ويمكن اعتبار الاعتداءات التي تقع على الثقافة بمدلولها الواسع من أهم المؤشرات التي يمكن من خلالها استباق تلك الجرائم. نحن نؤمن انه، في ظل عدم وجود نص قانوني واضح متعلق بالإبادة الثقافية.
المراجع :
_ أ. عطية أحمد عطية السويح ، 28. يوليو 2020 , النظام القانوني الدولي لجريمة الإبادة الثقافية- أقلية الإيغور أنموذجاً ، المركز الديمقراطي العربي.
_ د. عامر غسان فاخـوري ، 15/ 8/ 2017 ، الإبادة الثقافية في القانون الدولي العام ، دراسة في القضاء الدولي ، مركز جيل البحث العلمي.
_ سامح فايز 30/07/2019 اشهر الابادات الجماعية في التاريخ المعاصر , مجلة حفريات.