الصـــحــافــة الاستــقصــائــيـــة
فرع بنغازي

الصحافة الاستقصائية مهمتها الكشف عن الأمور التي يتم إخفاؤها إما عن عمد من قبل شخص في موقع سلطة ، أو عن طريق الخطأ ، خلف كتلة فوضوية من الحقائق والظروف وتحليل وكشف جميع الحقائق ذات الصلة للجمهور ، وبهذه الطريقة تساهم الصحافة الاستقصائية بشكل حاسم في حرية التعبير وتطوير وسائل الإعلام ، حيث يستمر النقاش حول مساءلة وسائل الإعلام والمعايير المهنية والأخلاقية التي تزود الصحفيين بمبادئ توجيهية ومواد تدريبية حول أفضل طريقة لممارسة مهنتهم ، وبالتعاون مع منظمة إعلاميون من أجل الصحافة الاستقصائية العربية ، تم إطلاق أول دليل للصحفيين الاستقصائيين في الدول العربية بعنوان استقصاء قائم على القصة .

حيث تعرف ايضاً الصحافة الاستقصائية بأنها شكل من أشكال الصحافة التي يتعمق فيها الصحفيون للتحقيق في قصة واحدة قد تكشف عن الفساد ، أو يراجعون سياسات الحكومة أو الشركات ، أو يلفت الانتباه إلى الاتجاهات الاجتماعية أو الاقتصادية أو السياسية أو الثقافية ، وقد يقضي الصحفي الاستقصائي أو فريق الصحفيين شهورًا أو سنوات في البحث عن موضوع واحد ، وعلى عكس التقارير التقليدية حيث يعتمد المراسلون على المواد التي توفرها الحكومة والمنظمات غير الحكومية والوكالات الأخرى وتعتمد التقارير الاستقصائية على المواد التي تم جمعها من خلال مبادرة المراسل الخاص ، وتهدف هذه الممارسة إلى فضح الأمور العامة التي يتم إخفاؤها بطريقة أخرى .

عناصر الصحافة الاستقصائية ومقوماتها

إعداد تقرير أصيل ومنهجي وعميق: يأخذ الصحفي الاستقصائي الوقت الكافي، ويتعمق في شيء ما بطريق منظمة ومنهجية ليفهم جيدًا ماذا يحدث في العالم، وسيكون عندها العمل أصيلًا ومبتكرًا بقدر ما هو عميق.

وضع فرضية: الصحفيون الاستقصائيون الجيدون يفكرون مثل المدّعي العام الشريف أو المحقق البوليسي الماهر، يضعون فرضية حول ما سيقدمون عليه، يستخدمون طريقة علمية، ويضعون نظرية ويجدون الحقائق التي تدعمها؛ وهي واحدة من أصعب أجزاء الصحافة الاستقصائية.

تحليل المستندات والبيانات العامة: يشمل العنصر الثالث من الصحافة الاستقصائية، استخدام الكثير من التسجيلات والمعلومات العامة، وغالبًا ما يتحدث الصحفيون الاستقصائيون كثيرًا حول تتبع هذه المسارات، مسارات الأشخاص، وتمويل المؤسسات والمسؤولية. يقومون بذلك عبر الأوراق، وجمع قدر ما يستطيعون من التسجيلات العامة حيث  تتسرب إليهم المستندات والبيانات، ويحللونها ليتتبعوا المسارات.

كشف أمور تخص المصلحة العامة كانت سرية أو مخفية: يتعامل الصحفيون الاستقصائيون غالبًا مع معلومات سرية، ومع أشياء لا يرغب مسؤولون في السلطة في كشفها، لأنها تُظهر استغلال لموقعهم أو سلطتهم في المجتمع، ويعتبر إيجاد مثل هذه الأمور وكشفها ما حدث للعامة جزءًا من عمل الصحافة الاستقصائية.

التركيز على العدالة والمسؤولية الاجتماعية: توجد الكثير من هذه النداءات في مهنة الصحافة الاستقصائية تجاه المسؤولية الاجتماعية، مهمتها محاسبة الشركات، والمؤسسات، والأشخاص، حيث يؤمن الصحفيون الاستقصائيون بتصحيح الأخطاء.

مميزات الصحافة الاستقصائية ومهامها

تتميز الصحافة الاستقصائية بالبحث الطويل المعمق، الذي قد يمتد لشهور وسنوات حول موضوع واحد، فهي لا تحدث بين ليلة وضحاها، بل تتطور عبر عدة مراحل من التخطيط، إلى البحث، والتقرير، ويجب أن تخضع لمعايير عالية من الدقة والبرهنة.

قد يأخذ البحث شكلاً سريًا، أو يكون استخلاص نتائج عن طريق التنقيب عن بيانات، لكن مهما أعطى، عليه أن يجسّد أكثر من مجرد تأكد بسيط من الفكرة الأصلية، بل ينبغي أن تكشف القصة النهائية معلومات جديدة أو تلقي الضوء على المعلومات القديمة المتاحة بشكل جديد، كأن تكشف أهميتها،  يمكن لمصدر واحد أن يقدم اكتشافات مذهلة، للوصول إلى رؤى أو معلومة مخفية بطريقة أو أخرى، لكن لا يصنف التحقيق كاستقصائي مالم يتم التأكد من قصة المصدر بمقارنتها بمصادر أخرى تجريبية أو وثائقية أو بشرية، وتوضيح معانيها.

حيث يتطلب التحقيق الاستقصائي مصادر أكثر، وفريق عمل أفضل، والمزيد من الوقت، مقارنة بالتقرير الإخباري العادي،  فمعظم القصص هي نتيجة لاستقصاءات فريق.

ويحقق المراسلون في دليل قد يكشف فسادًا، أو يراجعون سياسات حكومية أو مؤسساتية، أو يلفتون الانتباه إلى اتجاهات اجتماعية، واقتصادية، وسياسية أو ثقافية،  بينما ينطلق المراسلون التقليديون بمواد تزودهم بها منظمة ما - إبلاغ من الحكومة أو منظمة غير حكومية - غالبًا ما يصدر التقرير الاستقصائي من مبادرة مراسل، يكون قد تلقى رسائل الكترونية مجهولة المصدر تحتوي على مئات من الملفات غير المثبتة، أو أخبرته جهة اتصال متعاونة بإشاعة عن مؤامرة ما، وعلى أي حال، يكمن هدف الصحافة الاستقصائية في كشف شؤون تتعلق بالمصلحة العامة تم إخفاؤها بطريقة ما، عن قصد أو دون قصد، والدليل الواضح لما يشكل "مصلحة عامة" هو مدى تأثر المجتمع سلبيًا بهذه المعلومة إذا لم تنكشف، أو مدى استفادته منها على الصعيد المادي أو من حيث اتخاذ القرار الجيدة، فأحيانًا المعلومة التي تفيد مجتمعًا ما قد تضر بآخر؛ مثلًا: قد يطلب سكان الغابات أسعارًا أعلى إذا علموا القيمة التسويقية للأشجار ما يسبب بانهيار شركات قطع الأشجار، بشكل طبيعي، لن ترغب هذه الصناعة في كشف معلومات كارتفاع أسعار الأشجار.

قد لا تؤثر قصص الشأن العام بالضرورة على البلد بأكمله، وعندما تفعل ذلك، تتحول إلى شأن وطني، لسوء الحظ، غالبًا ما تستخدم الحكومات هذا المصطلح لتبرير أفعال غير قانونية أو خطيرة أو غير أخلاقية. أو لثني الصحفيين عن الاقتراب من مشكلات محددة.

ما الذي يجعل الصحافة الاستقصائية مختلفة عن الأخبار التقليدية أو صناعة الوثائقي؟

1- المنهجية: الصحافة التقليدية تفاعلية، بمعنى أن بإمكان الصحفي تطوير القصة الإخبارية بسؤال سياسي عن رأيه في أحداث معينة، ويمكن لصحفيين آخرين استخدام ذلك الاقتباس، دون التشكيك في الحقيقة المستندة إلى التقرير الأول، بالمقابل، تستخدم الصحافة الاستقصائية "فرضية مبنية على رواية ما" تسعى لإثبات أن أي حقيقة يمكن أن تكون صحيحة أو خاطئة، مثل رجل الشرطة أو النيابة الذي سيحاول جمع البراهين ليدعم فرضيته، فإذا افترض الصحفي الاستقصائي أن (ع) يكذب أو أن (ع) فاسد، ولم يتمكن من إيجاد دلائل، يُلغى التحقيق.

2- الإطار الزمني: وهو إطار يتعزز بالطريقة التي تُجمع وتنشر بها المعلومات على فترات منتظمة، سواء في نشرات أخبار الساعة أو في الصحف اليومية أو في المجلات الأسبوعية، بالنسبة لأي تحقيق، لا يمكن نشر المعلومات حتى تكون كاملة ومبنية بدقة، ويمكن أن تستغرق التحقيقات الصحفية شهورا، وفي بعض الحالات، سنوات.

3-  الرؤية: يفترض أن يكون التقرير الإخباري انعكاسا دقيقا للعالم، ويُطلَق على هذه العملية "تحري الدقة والموضوعية" ونشر التقارير حول "الحقائق". لكن الصحافة الاستقصائية ترفض أن تقبل العالم كما هو، بل تعتقد أن ثمة خطأ ما في الحقائق المعطاة، وأن هدفها يتمثل في فضح الخداع والتزييف أو سوء السلوك من أجل انتقاده وبيان زيفه.

4- التوازُن: على الصحفي أن يتقبل الرواية الرسمية للقصة حتى لو كان رأيه يناقضها، أو "يوازنها" باستخدام تصريحات من مصادر أخرى، افتراض حسن النية بالمصادر الرسمية وارد، مع هذا، يتحدى الصحفي الاستقصائي صراحة الرواية الرسمية للقصة، ويرفض مبدأ التوازن، ويقدم حكمه على القصة استنادا إلى التقييم الدقيق للأدلة.

5- الأخلاقيات: يواجه الصحفيون الاستقصائيون أسئلة سياسة التحرير وهم يضمِّنون أساليب جمع الدلائل في تقاريرهم، حيث تعد تلك الوسائل غير أخلاقية في الصحافة التقليدية، فمن المفترض عادة ألا يكذب الصحفي، لكن لو كنا بحاجة إلى توظيف تدابير تنطوي على عملية خداع ما، كالتسجيلات السرية أو انتحال شخصية ما، فعلينا أن نضمن وجود جمهور قوي مهتم بالدفاع عن أعمالنا، فمبررنا الأخلاقي لاستخدام تلك الأساليب هو أنها الطريقة الوحيدة المتبقية لفضح المخالفات.

6- صناعة الأخبار: في التقارير التقليدية، تقاس الحقيقة أو دقة القصة الإخبارية بمدى مشابهتها لقصص نشرت أو بثت في ذلك الوقت، هناك اعتقاد بأن الأخبار "صالحة" إن شارك آخرون نشرها، لكن على القصة الاستقصائية أن تتحدى الحقائق المسلَّم بصحتها، وأن تعطِّل جدول الأخبار. ونحن نضع اسم صحيفتنا كمصدر للتصريحات العالمية.

ما المهارات اللازمة للعمل كصحفي استقصائي؟

ثمة متَطلّب واحد، وهو أن يستشعر الصحفي ما يحدث في العالم من خلال البحث والاستقصاء في الأدلة المجزأة المتناثرة، وأن يتحلى بحسٍّ مرهف يجعله يتأهب لمعرفة الحقيقة عندما يلاحظ عدم اتساق بعض مكونات الأخبار، وهي الحاسة السادسة التي تثير غريزتك الصحفية وتحركها باتجاهٍ تشعر معه أن هناك خطبا ما في المعلومات التي يقدمها لك الآخرون،  إنه الاحساس بأن شخصا ما يدلي بمعلومات كاذبة أو يحاول إخفاء شيء هام.

مهنة الصحافة الاستقصائية مثيرة للتوتر لا الألق، قال أحد أبرز الصحفيين الاستقصائيين في ذي غارديان البريطانية ديفد لاي، أن على الصحفيين الاستقصائيين أن يكونوا "مستعدين نفسيا لتحمل العداء".

أما مدير مركز الصحافة الاستقصائية في لندن غافين ماكفادين، فقال إنه لا ينبغي للصحفي الاستقصائي أن يكلف نفسه عناء التفكير في الحصول على دعوة لدخول البيت الأبيض أو مقر الحكومة البريطانية في 10 داوننغ ستريت.

إن مهمتنا هي تحدي السلطة لا مغازلتها، أما إن كان هدفك أن تكون لامعا، فاعمل مراسلا في صحافة المشاهير.






المراجع :

مصعب الشوابكة ، 28.8.2022 ، عن أسباب تعثر الصحافة الاستقصائية في العالم العربي ، مجلة الصحافة

 فاضل محمد البدراني ، 1.7.2015 ،الصحافة الاستقصائية منهج جديد لكشف الفساد و تحقيق القيم الاجتماعية  ، موقع ASJP

المقالات الأخيرة