جاءت التصريحات الأخيرة للرئيس الأمريكي ” دونالد ترامب” بخصوص قناتي “بنما والسويس” ومطالبته بمرورالسفن الأمريكية ” التجارية والعسكرية ” فيهما مجاناً دون رسوم، كتعبيرعن طبيعة استخدام القوي العالمية الكبري للمضائق والممرات المائية كأداة لخدمة مصالحها، خاصة في ظل الصراع الجيوسياسي الحالي.
تأسيساً علي ما سبق، سنستعرض في هذا التحليل طبيعة التهديدات التي تتعرض لها أهم المضائق والممرات المائية الدولية في ظل المشهد الدولي والصراع الجيوسياسي الحالي ما سيؤثر بدوره علي أمن واستقرار التجارة العالمية والاقتصاد العالمي.
مضيق هرمز
يُعتبر مضيق هرمز من بين أهم الممرات المائية في العالم، وعلي وجه الخصوص بمنطقة ” الخليج العربي” فهو يُعتبر البوابة الرئيسية لصادرات النفط من دول تلك المنطقة، حيث تمر من خلاله 30% من تجارة النفط العالمية، ونادراً ما يكون هذا المضيق بعيداً عن بؤر التوتر العالمية، فمنذ عقود دائماً ما تستخدمه إيران للتضييق على السفن في الخليج، وتهدد بإغلاقه للتعبيرعن إستيائها من العقوبات المفروضة عليها أو كوسيلة ضغط في صراعاتها مع الدول الأخرى، ومع قدوم الرئيس الأمريكي ” دونالد ترامب” إلى السلطة مجدداً وتعهده بفرض سياسة “الضغط القصوى” على إيران، فذلك من شأنه أن يعيد التوترات إلى هذا المضيق، خاصة في حال إذا ما فشل الخيار الدبلوماسي وعدم التوصل إلي إتفاق ” أمريكي – إيراني ” في ظل المفاوضات الجارية بين الجانبين ما قد سيؤدي بدوره إلي عواقب وصفها بعض المحللون بـ ” الكارثية “على المنطقة، وهو ما قد يدفع إيران من جديد للتهديد بإغلاق المضيق وتعطيل المرورمن خلاله كوسيلة للضغط علي الجانب الأمريكي والدفاع عن نفسها في ظل الضغوط الدولية والعقوبات المفروضة عليها ما سيُشكل بطبيعة الحال تهديد لأمن وإستقرارالتجارة بالمنطقة.
مضيق باب المندب
يربط باب المندب، البحر الأحمر بخليج عدن، ويعد مسارا حيويًا لحركة النفط والتجارة بين آسيا وأوروبا، وبالتالي فهو منفذ التجارة التي تمر من المحيط الهندي إلى البحر الأحمر، وتمر عبره 15% من التجارة المنقولة بحراً، ولعل تمثلت أبرز التهديدات التي تعرض لها المضيق في الآونة الأخيرة، وأكثرها خطورة في استهداف جماعة الحوثي في اليمن لسفن تجارية بالبحر الأحمر منذ نوفمبر 2023، وقد بررت الجماعة ذلك بأنه ضغط على الجانب الإسرائيلي لوقف حربه على قطاع غزة، وهذا ما دفع بالعديد من شركات الشحن إلي تعليق مرور سفنها عبر المضيق وعدم المرور به، والقيام برحلة أطول حول أفريقيا للوصول إلى وجهاتها بالتوجه نحو طريق “رأس الرجاء الصالح “، وهو ما زاد من كلفة وزمن الشحن، وبالتالي أثر على الكثير من الدول والمستهلكين حول العالم.
ويزداد حجم التهديد لهذا المضيق في الآونة الأخيرة، خاصة بعد زيادة وتيرة الهجوم والغارات الأمريكية علي جماعة الحوثي بالبحرالأحمر، والذي قام بها الرئيس الأمريكي ” دونالد ترامب ” مبرراً ذلك بقوله ” إنه لم تعبر أي سفينة تجارية أميركية قناة السويس أو البحر الأحمر أو خليج عدن بأمان منذ أكثر من عام، وأضاف أن ذلك تسبب في خسائر بمليارات الدولارات للاقتصاد العالمي”. وعليه، وفي ظل استمرار تلك الهجمات وزيادة حجم التوترات بمنطقة البحر الأحمر، من المحتمل أن تزداد حجم التهديدات التي قد يتعرض لها مضيق “باب المندب” ما سيؤثر بصورة واضحة وسلبية علي أمن التجارة العالمية واستقرار الاقتصاد بالمنطقة خلال الفترة المقبلة.
قناة السويس
يتمتع الممرالملاحي لـ “ قناة السويس” بأهمية عالمية كبيرة لما يوفره من وقت وتكاليف وجهد للإقتصاد العالمي، فتعتبر قناة السويس أقصرطريق يربط بين الشرق والغرب، كذلك أسرع طريق للعبور بين المحيطين الأطلنطي والهندي، فهي ممرًا حيويًا يربط بين أوروبا وآسيا. ووفقاً لبيانات البنك الدولي، يتم نقل ما يقرب من 30% من النفط و40% من البضائع الجافة عبر البحر الأحمر وقناة السويس، كما يمر عبرها حوالي 12% من حجم التجارة العالمية. وقد تأثرت إيرادات قناة السويس بصورة كبيرة في ظل التوترات الأخيرة بمنطقة البحر الأحمر ومنذ أحداث غزة 2023، ففي مطلع العام 2025 أكدت الحكومة المصرية تكبد البلاد خسائرشهرية تقدربحوالي 800 مليون دولار من إيرادات قناة السويس بسبب الأوضاع في المنطقة وحالة عدم الاستقرار بها، وفي الإطار ذاته جاء التصريح الأخيرللرئيس الأمريكي ” ترامب ” بشأن القناة، ومطالبته بالسماح بمرورالسفن الأمريكية، عبرها مجاناً ودون دفع رسوم ذلك في محاولة منه لتحقيق أكبرقدرمن الإستفادة ودعم الإقتصاد الأمريكي خلال تلك الفترة ، ما تجلي من خلاله وبصورة واضحة السعي الأمريكي لكسب ميزة إستراتيجية في ظل الصراع الجيوسياسي الحالي بالمنطقة.
قناة بنما
تُعتبر ” قناة بنما ” أضيق جزء من المضيق بين أميركا الشمالية والجنوبية، هو ما يسمح للسفن بالتنقل بسرعة أكبر بين المحيطين الأطلنطي والهادي، حيث تسمح القناة بعبور 2.5% من التجارة العالمية المنقولة بحراً، وقد افتعل الرئيس الأميركي” دونالد ترامب ” أزمة مع البلاد اتهم فيها حكومة “بنما” بالسماح للصينيين بالسيطرة على ذلك الطريق الحيوي، وبزيادة رسوم الشحن على السفن الأميركية، ما جعله يهدد بمعاودة فرض السيطرة الأميركية على القناة بسبب دورها الحيوي في اقتصاد أميركا وأمنها الوطني، فقبل توليه منصبه في يناير الماضي صرح للصحفيين بأنه لا يستبعد استخدام القوة الاقتصادية أو العسكرية لاستعادة السيطرة على القناة، فضلاً عن تصريحاته الأخيرة بشأن مطالبته بالسماح للسفن العسكرية والتجارية التابعة للولايات المتحدة بالمرور عبر القناة دون دفع أي رسوم. وعليه، نجد أن ” قناة بنما ” تتعرض للعديد من التهديدات، حيث يستخدمها الرئيس الأمريكي ” ترامب ” لتحقيق مصالحه بالمنطقة، ومحاولة كبح النفوذ الصيني هناك، الأمر الذي من الممكن أن يُلحق الضرر بحركة الملاحة بالقناة خلال الفترة المقبلة، خاصة إذا ما حدث تصعيد من الجانب الأمريكي لتنفيذ تهديداته الأخيرة
مضيقي البوسفور والدردنيل
تسيطرتركيا على المضيقين اللذين يُعتبران الممر الوحيد بين بحري “إيجه والأسود“، وقد أفرزت الحرب الروسية الأوكرانية جملة من التهديدات للمضيقين، خاصة في ظل العقوبات الغربية المفروضة على روسيا والتي لجأت لمواجهتها إلي ما عُرف بإسم ” أسطول الظل الروسي ” والذي تنامي بصورة واضحة في الآونة الأخيرة، بهدف نقل إمدادت الخام إلى العالم، هذا يعني أن ملكية أغلب الناقلات التي تبحرعبر المضيقين ووضعها التأميني مبهمان ما سيُلحق ضرراً كبيراً على روسيا وتركيا في حال حدوث أي حادث في المضيقين، ويُعرض أمن الملاحة بهما للخطر خاصة لأن “البوسفور” و”الدردنيل“، يلفهما الضباب، وغالباً ما تعصف بهما تيارات قوية ما يجعلهما عرضة بشكل أكبر لحوادث السفن أو حدوث أعطال فيهما، خصوصاً أن “البوسفور” يُعتبر أحد أضيق المضائق في العالم ما يعني أن تعطل أي ناقلة فيه قد يؤدي إلى تعطيل حركة الملاحة، هذا فضلاً عن إحتمالية إستغلال تركيا لهذين المضيقين كأداة لتحقيق مصالحها في ظل الصراع الجيوسياسي الحالي نظراً لموقعهما الإستراتيجي المطل على البحر الأسود.
ختاماً، نجد أن المضائق والممرات البحرية في العالم قد تحولت إلى أداة من أدوات الصراع الجيوسياسي الحالي بين القوي العالمية الكبرى. فعلي الرغم من كونها تاريخياً كانت محط نزاعات إقليمية ودولية، ولكن ما يلوح بالأفق من صراع جيوسياسي محتدم في ظل المشهد الدولي الحالي ووتيرته السريعة يشير بأنه سيكون للمضائق والممرات المائية دور كبير فيه ما سيؤثر بدوره علي أمن واستقرار التجارة العالمية والإقتصاد العالمي بشكل خاص والإستقرارالسياسي العالمي بشكل عام ، فقد أشارأحد المحللين بقوله بـ ” أهمية الممرات المائية في الحرب الإقتصادية التي إن دارت رحاها بالمستقبل ستكون أكثر فتكاً من الحرب العسكرية “.
المصدر: مركز رع للدراسات الاستراتيجية
الكاتب : د. جهاد نصر
التاريخ : 6/5/2025
--------------------------------------
المصدر: صحيفة إيلاف
الكاتب : خالد المطلق
التاريخ : 30/4/2025