يقع العالم العربي في إقليمٍ يتمتع بأهمية جيوإستراتيجية على مستوى العالم، ولكنه يُعَدّ محلاً للصراع بين القوى الدولية الفاعلة والمؤثرة وبين القوى الإقليمية الصاعدة والطامحة، وفي ضوْء حالة عدم الاستقرار والانقسام والفوضى التي تعيشها العديد من الدول العربية في أعقاب الارتداد عن الربيع العربي، والتي أحدثت تحولات جوهرية في هذه المنطقة الحيوية من العالم بالرغم من عدم تحقيقها لكثير من الأهداف التي قامت من أجلها، فإن حجم التفاعل العربي والإقليمي والدولي ومخرجاته قد تزايد تأثيرها على مجريات الأحداث في العالم العربي. وتأسيساً على ذلك تبرز الحاجة لدراسة العلاقات العربية الدولية والإقليمية الفاعلة دراسة معمقة لتحقيق عدد من الأهداف؛ ومن أبرزها:
1. تقييم الموقع والدور الذي يحتله العالم العربي على خريطة العلاقات الإقليمية والدولية.
2. اكتشاف اتجاهات التطوير اللازمة في العلاقات العربية- العربية لزيادة الدور العربي الإقليمي والدولي وتطويره.
3. رسم السيناريوهات المستقبلية للعلاقات العربية والإقليمية والدولية.
4. تقديم رؤية مشتركة بخصوص صياغة سياسة خارجية عربية تجاه القضايا الكبرى.
شهدت العلاقات العربية- الأوروبية منذ السبعينيات من القرن الماضي مراحل عدة بدأت بإطلاق ما سمِّى الحوار العربي- الأوروبي الذي انطلق إثر الأزمة البترولية الأولى. وانطلقت الشراكة الأوروبية المتوسطية "يوروميد" أو مايسمى بـ "عملية برشلونة" في شهر نوفمبر سنة 1995، وهدفت إلى تعزيز العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والبلدان العشر التي تقع حول البحر الأبيض المتوسط في المشرق والمغرب العربي.
كما وضع الاتحاد الأوروبي آليات خاصة لتمويل المشاريع في البلدان المعنية، للوصول إلى الهدف النهائي المتمثل بإنشاء المنطقة الأوروبية العربية للتجارة الحرة بحلول عام 2010 من خلال سلسلة من اتفاقيات الشراكة الثنائية بين الاتحاد الأوروبي وبعض هذه الدول، حلت محل اتفاقات التعاون المبرمة في سنوات السبعينيات من القرن الماضي.
التعاون الاقتصادي العربي والاوروبي:
وفي مجال التعــاون الاقتصــادي الأوروبــي فقد بــدأ في نفس العام بمعاهــدة برشــلونة 1995 م ، عنــدما وقعــت 12دولــة متوســطية مــع دول الاتحــاد الأوروبــي الخمــس عشــرة فـي ذلــك الوقــت، معاهــدة هــدفها النهــائي هــو إنشــاء منطقــة تجــارة حــرة بــين الــدول المتوســطية والاتحــاد الأوروبــي بحلــول عــام 2010، ممــا ســيؤدي إلــى إزالــة العوائــق الجمركيــة مــن أجــل حريــة انتقــال البضــائع بمختلــف أنواعهــا بــين الاتحــاد الأوروبــي والــدول الأخــرى المطلــة علــى حــوض البحــر الأبيض المتوسط.
وتضـــم الشـــراكة الأورو متوســــطية اليـــوم 43 عضوا: 27 مـــن الـــدول الأعضــــاء فـــي الاتحــــاد الأوروبــي و 16 دولــة فــي الشــراكة هــي: (ألبانيــا، الجزائــر، البوســنة والهرســك، كرواتيــا، مصــر، الكيان الصهيوني ، الأردن، لبنـان، ليبيـا، موريتانيـا، مونـاكو، الجبـل الأسـود، المغـرب، سـوريا وتـونس، فضلا عن السلطة الوطنية الفلسطينية)، أي أنها تضم 10 دول أعضاء حاليين من الدول العربية.
أن تحقيـق الاسـتقرار فـي المنطقـة العربيـة يمثـل عنصـر هاما فـي تحقيـق الأمـن علـى الضـفة الجنوبية من البحر المتوسط ومنع التهديدات مثل التهريب والهجرة غير القانونية. وأن تكون العلاقات السياسية بين الجانبين عنصر توافق. وفـي المجـال الاقتصـادي يعتبـر سـوقا واسـعة للمنتجـات الأوروبيـة المتنوعـة خاصـة الصـناعية منها، وموردا ا للمواد الخام والأولية خاصة البترول والخامات الأخرى. كذلك مجالا خصبا لتصدير التكنولوجيا والمعدات الرأسمالية الأوروبية إلى الدول العربية، وتصدير الموارد البشرية المؤهلة عن طريق الهجرة القانونية.
الدوافع الأوروبية للشراكة مع الدول العربية:
1. قرب الدول العربية من دول الاتحاد الأوروبي.
2. ارتباط المصالح مع الدول العربية الاقتصادية والسياسية).
3. تأمين الواردات من المواد الخام خاصة البترول والغاز.
4 - السوق الكبير والذي يقترب من 400 مليون نسمة.
علاقات المغرب العربي كتنظيم إقليمي مع الاتحاد الأوربي:
دخلت العلاقات الأوربية مع الاتحاد المغاربي في مأزق بسبب بعض الجمود الذي وقعت فيه السياسات الأوروبية، بوصفها مُوجهة بالأساس صوب التجارة والأمن، غير مكترثة اكتراثاً كافياً بمسألة التنمية المشتركة، ولا التكامل الإقليمي، ولا دعم ديمقراطية حقيقية في المنطقة. وعلى الرغم من وجود اتفاقيات تجارية بين الاتحاد الأوروبي والمغرب العربي لما يربو على خمسين عاماً، فإن عدم وجود رؤية طويلة المدى، وعدم كفاية الموارد وقصور الوثائق الرسمية، كل ذلك يُفسر إلى حدٍّ كبير عدم استطاعة الاتحاد الأوروبي دفع عجلة النمو في المغرب العربي.
عليه فأن بلدان المغرب العربي تتحمل جزءاً كبيراً من المسؤولية لإخفاقها في تناول التحديات الاقتصادية، ومعالجة اختلال التوازن الإقليمي والاجتماعي، وتسوية ما بينها من خلافات، وانصرافها عن تحقيق التكامل الإقليمي، وعدم استجابتها لتطلعات مجتمعاتها. وعليه، فالإخفاق في انتشال بلدان المغرب العربي مما تعانيه من ركود اقتصادي وضعف سياسي مسؤولية يتحملها كل من الاتحاد الأوروبي وبلدان المغرب العربي جميعاً.
وقد أفضت هذه الإخفاقات، من كلا الجانبين، إلى ظهور حالة من التشكك والإحباط، فمن العجز عن سدِّ فجوة الثراء بين الاتحاد الأوروبي وبلدان المغرب العربي؛ إلى مضي معدلات الفقر والجهل في ارتفاعها في جُل بلدان المغرب العربي، فضلاً عن بطالة العنصر الشبابي التي ما فتئت تمثل الوقود لحالة الغضب والإحباط والثورات والرغبة في الرحيل وهجر الأوطان.
ظلت العلاقات بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي دون مكانة مجلس التعاون الخليجي الاستراتيجية، وأهمية مصالح الاتحاد الأوروبي واستثماراته المالية. فعلى الرغم من توقيع اتفاقية التعاون بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي عام 1988، فإن المفاوضات حول اتفاقية تجارة حرة لم تُحسَم بعد، كما يصعب فهم انعدام التوافق الاستراتيجي الذي بات يُمثِّل خطورة على كلا الجانبين.
التطلعات الأوروبية في المنطقة العربية:
1. أن تصبح المنطقة العربية بأكملها منطقة نفوذ للاتحاد الأوروبي.
2 - الاستفادة من الموقع الاستراتيجي للدول العربية وتحكمها في المضايق والممرات المائية.
3. توثيق الروابط السياسية والاقتصادية بين الدول العربية مع الاتحاد الأوروبي.
4. تأمين موارد الطاقة والمواد الأولية.
5. استخدام المنطقة العربية كمنطقة وثوب إلى باقي مناطق العالم المختلفة.
المزايا التي تحققها الشراكة الأوروبية للدول العربية:
1. تأييد المواقف العربية تجاه الأزمات التي تمر بها المنطقة في المحافل الدولية.
2. فتح الأسواق الأوروبية أمام المنتجات العربية.
3 - إمداد الدول العربية بالتكنولوجيا المتقدمة.
4. مجالاً لتصدير العمالة الفنية والمتميزة للدول الأوروبية ما يحقق عائدًا خاصة وأن الدول العربية على الساحل المتوسطي هي دول مصدرة للعمالة.
الخاتمة...
لقد كان الاتحاد الأوروبي في السابق الشريك التجاري الاول للعالم العربي، ولكن هذه الشراكة تراجعت كثيرا لصالح دول الشرق الأقصى والاميركيتين بسبب القيود والعقبات المفروضة على الصادرات العربية والشروط الصعبة لقواعد المنشأ، الامر الذي يستدعي إعادة التفكير لكي تأخذ الشراكة أبعادها المستحقة والمتكاملة الأهداف".
وأن النظر إلى العلاقات من الناحية التقليدية يبقى قاصرا في ظل التحول التاريخي الذي احدثته الثورة الصناعية الرائعة والتغير لطبيعة الحياة والاقتصاد، فضلا عن التداعيات غير المسبوقة التي أحدثتها جائحة كورونا. فنحن نعيش اليوم في ظروف بالغة الصعوبة ومليئة بالتحديات وتشكل مفترق طرق رئيسي لما سيكون عليه المستقبل في منطقتنا، وعليه يجب تجسيد الرغبة المشتركة في الارتقاء بمسار العلاقات إلى مستويات أعلى مما هي عليها حاليا من خلال وضع معايير مشتركة تستهدف تحقيق تنمية مستدامة بمشاركة بين القطاعين العام والخاص ارتكازا على تطوير لوجستيات النقل والموانئ لتعزيز ربط شبكات الطرق البحرية والبرية وسكك الحديد وسلاسل العرض والقيم المضافة، وكذلك الطاقات الهائلة الممكنة للتحول الرقمي".
المراجع
خالد حنفي ، 28 يناير 2021 ، الارتقاء بمسار العلاقات العربية - الأوروبية عبر الطاقات الهائلة للتحول الرقمي ، اتحاد الغرف العربية.
محمد جمال الدين مظلوم، 5/02/2013م ، الملتقي العلمي الرؤى المستقبلية والشراكات الدولية، كلية العلوم الاستراتيجية جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية.
ب . ن ، 13/11/2016 ، العلاقات العربية - الدولية الواقع والافاق، مركز دراسات الشرق الأوسط عمان – الأردن.