العرف الدستوري
فرع بنغازي

يقصد بالعرف الدستوري تواتر العمل من قبل إحدى السلطات الحاكمة في موضوع من المواضيع ذات الطبيعة الدستورية، وذلك أثناء ممارستها لاختصاصاتها، و استقر في ضمير الجماعة، كقاعدة ملزمة ، فالعرف الدستوري هو كما أشرنا قاعدة دستورية ناشئة عرفياً في ظل دستور مكتوب، و يكون هذا العرف إما مفسراً أو مكملاً أو معدلاً للنصوص الواردة في الوثيقة الدستورية المدونة، و العرف الدستوري مرتبط في وجوده بوجود الدساتير المدونة أو المكتوبة، ويعتبر ايضا العرف المصدر الأول بل وأقدم مصدر للقواعد القانونية بصفة عامة ولقواعد القانون الدستوري بصفة خاصة. وقد كان للعرف دور كبير فيما مضى قبل أن تنتشر ظاهرة الدساتير المدونة أو المكتوبة حاليا، إلا انه لا زالت الدساتير الغير مكتوبة موجودة وعلى رأسها دستور المملكة المتحدة ويسمى دستورها بالدستور العرفي، بل وحتى في الدول ذات الدساتير المكتوبة أو المدونة فإن للعرف دورًا لا يستهان به في مجال القانون الدستوري إلى جانب التشريع والدستور المكتوب. وعليه فيتفرع من ذلك تقسيم الدول إلى دول ذات دساتير عرفية ودول ذات دساتير مكتوبة، فإذا كانت القواعد العرفية تمثل الجانب الأكبر من الدستور فإنه يدعى دستورا عرفيا، وإذا كان العكس أي أن القواعد المدونة أو المكتوبة هي التي تمثل الجانب الأكبر فالدستور مكتوبا أو مدونا.

أهمية العرف الدستوري 

حتى نهاية القرن الثامن عشر كانت الغلبة للعرف على التشريع، لأن أغلب القواعد كانت قواعد عرفية غير مدونة ، ولكن بعد ذلك طفا عليها التشريع بحيث أصبحت أغلب دساتير العالم دساتير مدونة ،واكتسب التشريع أهمية أكبر لأسباب سياسية وعلمية، ولكن هذا القول لا يجب أن يفهم منه بأن العرف فقد أهمية كليا كمصدر للقانون الدستوري بل مازال المصدر الأول في بريطانيا وحتى بالنسبة للدول ذات الدساتير المكتوبة .

وقد ثار خلاف بين الفقهاء حول مدى القوة الإلزامية للعرف المكمل والمعدل ،فرغم اتفاقهم على أن العرف المفسر يعد جزءا من الدستور وله قوته الإلزامية. إلا أنهم اختلفوا بشأن العرف المكمل، فالبعض منهم ينكر عليه قوة نصوص الدستور لأن المشرع لا يستطيع أن يضفي الصفة والقوة الدستورية على تشريعاته ،إذا كان في ظل دستور جامد، وإلا عد عمله مخالفا للدستور، ونظرا لكون العرف يمثل إرادة المشرع فإنه يبقى في مرتبة التشريع العادي ولا يرقى إلى مرتبة الدستور الموضوع من طرف السلطة التأسيسية.

انواع العرف الدستوري 

1. العرف المفسر.

يظهر هذا النوع من العرف في حالة وجود غموض وعدم وضوح في الوثيقة الدستورية، وعليه فهو لا ينشئ قواعد دستورية جديدة وإنما يبين التطبيق السليم أو المعنى الحقيقي للنص المكتوب والمثال على ذلك ما نصت عليه المادة الثالثة من دستور فرنسا لعام 1875 حيث أشارت الى ان (رئيس الجمهورية يكفل تنفيذ القوانين) إلا ان هذا النص لم يحدد الوسيلة التي يستطيع بها رئيس الجمهورية كفالة تنفيذ القوانين فثار التساؤل فيما إذا كان هذا النص الذي جاء بهذه الصيغة المبهمة يسمح لرئيس الجمهورية بإصدار لوائح أو مراسيم تنفيذية لكفالة تنفيذ القوانين وهنا نشأ عرف مفسر يسمح لرئيس الجمهورية بإصدار هذه اللوائح فهذا العرف هو تفسير لنص مكتوب

2. العرف المكمل.

ينشأ هذا العرف ليكمل المجالات التي لم تنظم في الوثيقة الدستورية، أي تظهر نصوص عرفية جديدة إلى جانب الوثيقة المكتوبة لاستكمال نقص معين غفل عنه المؤسس الدستوري

ومن الأمثلة للعرف المكمل في ظل دستور 1875 الفرنسي تقليص سلطات رئيس الجمهورية نتيجة أزمة 16 مايو 1877التي قادت الى تكريس النظام البرلماني ورضوخ الرئيس Gravy لإرادة البرلمان واهماله لحقه في حل البرلمان، وفي لبنان لم ينص الدستور اللبناني على توزيع المراكز السياسية طائفياً لكن هذا التوزيع نتج بفعل العرف الذي أعطى رئاسة الجمهورية للموارنة ورئاسة الحكومة للسنة ورئاسة المجلس النيابي للشيعة

3. العرف المعدل.

ويقصد به ذلك العرف الذي ينصرف أثره إلى تعديل حكم ورد في الدستور سواء باستحداث قاعدة دستورية جديدة أو بحذف بعض أحكامها، فتسمى الحالة الأولى التعديل بالإضافة والمثال عليه ما صدر في فرنسا عام 1815 من قانون يقضي بعدم جواز أن تعقد الحكومة عقد قرض عمومي إلا بعد الحصول على إذن من البرلمان وقضى بذلك الدستور أيضا غير أن الدساتير اللاحقة لم تنص على ذلك فاعتبر الفقه ان هناك عرف دستوري يقضي بضرورة الحصول على موافقة البرلمان قبل عقد القرض العمومي فهذا عرف منشئ إما الحالة الثانية فتسماها ر. كابتان بالعرف المعدل بالحذف مستندا إلى الحذف الذي وقع على المواد ,36 من قانون 1858 بحيث استبدالها بقواعد ذات طابع برلماني 

أركان العرف الدستوري:

تتمثل أركان العرف الدستوري في ركنيين: الركن المادي و الركن المعنوي. 

1- الركن المادي للعرف: يتمثل في اعتياد سلطة من السلطات العامة على سلوك معين، وهذا الركن يتمثل في العادة التي تنشأ من اتجاه السلطة الحاكمة نحو سلوك بعينه تجاه مشكلة دستورية معينة ويجب أن تستقر في اتجاهه ناحية هذا السلوك لمدة زمنية معقولة.

وعلى ذلك يجب أن يتوافر في هذه العادة أي الركن المادي للعرف عدة شروط تتمثل في عمومية السلوك، وقدمه، واطراده، ومشروعيته.

عمومية السلوك تعني ضرورة درج أغلب السلطات الحاكمة على هذا السلوك وعدم مخالفته، ومن ثم إذا كانت هذه العادة من صنع أقلية فإنها لا تكون الركن المادي للعرف الدستوري.

وبالنسبة للقدم. فيجب أن تتبع السلطات الحاكمة هذه العادة لمدة معقولة يتحقق من خلالها الشعور بإلزامية هذه العادة.

أما عن الاطراد فهو يعني التعدد. ذلك أن واقعة واحدة لا يمكن أن تشكل الركن المادي للعرف. فإطراد واستمرارية الفعل يكون الركن المادي.

أما بالنسبة لمشروعية العادة فذاك أمر لا خلاف عليه فالعادة التي تتشكل بطريق المخالفة للدستور المكتوب أمر لا يمكن أن يتحقق به الركن المادي للعرف.

2- الركن المعنوي للعرف: لا يكفي لقيام العرف الدستوري أن تعتاد سلطات الحاكم على سلوك معين، أو أن تحقق الركن المادي فقط. بل يلزم علاوة على ذلك، تحقق العنصر المعنوي  وهو الشعور بضرورة وجود هذه القاعدة وإلزامها. فذاك العنصر هو ما يحول السلوك  من مجرد كونه عادة إلى عرف أي قاعدة قانونية مكتملة الأركان. ومن مقتضيات توافر هذ الركن للعرف هو تطبيق الجزاء عند مخالفة هذا السلوك.

والركن المعنوي للعرف هو الذي يميز بينه وبين العادات والتقاليد. ذلك أن العادات والتقاليد لا يكون لها ثمة إلزام من الناحية القانونية. أما القاعدة العرفية إذا ما اكتملت أركانها على الوجه المتقدم أصبحت قاعدة قانونية ملزمة. 






المصادر:

عبد الرحمن  اسامة ، 20.6.2020 ، العرف الدستوري ، الموسوعة السياسية

( ب، ن ) ، 13.10.2017 ، دور العرف الدستوري ، مجلة القانون الدستوري والإداري.

المقالات الأخيرة