وسائل الإعلام والإصلاح السياسي
فرع بنغازي

تلعب وسائل الإعلام دوراً رئيساً وفاعلاً في تشكيل سياق التحول الديمقراطي والإصلاح السياسي في المجتمعات المختلفة، حيث تعكس طبيعة العلاقة بين الدولة والمجتمع، وبين النخبة والجماهير، ويتوقف إسهام ودور وسائل الإعلام في عملية الإصلاح السياسي والديمقراطي على شكل ووظيفة تلك الوسائل في المجتمع وحجم الحريات، وتعدد الآراء والاتجاهات داخل هذه المؤسسات بجانب طبيعة العوامل الثقافية والاجتماعية والسياسية المتأصلة في المجتمع، فطبيعة ودور وسائل الإعلام في تدعيم الديمقراطية، وتعزيز قيم المشاركة السياسية وصنع القرار السياسي، يرتبط بفلسفة النظام السياسي الذي تعمل في ظله، ودرجة الحرية التي تتمتع بها داخل البناء الاجتماعي ,فوسائل الإعلام الحرة تلعب ثلاثة أدوار جوهرية في تعزيز الحكم الديمقراطي، باعتبارها محفل وطني يمنح صوتا لقطاعات المجتمع المختلفة، ويتيح النقاش من زاوية جميع وجهات النظر، وكعنصر تعبئة ييسر المشاركة المدنية بين جميع قطاعات المجتمع، ويعزز قنوات المشاركة العامة كما تعمل كرقيب يكبح تجاوزات السلطة ويزيد من الشفافية الحكومية ويخضع المسئولين العاميين للمساءلة عن أفعالهم أمام محكمة الرأي العام . 

ويستهدف هذا الموضوع التعرض لدور وسائل الإعلام في عملية الإصلاح السياسي ومدى قدرتها على تدعيم وتعزيز التحولات الديمقراطية من خلال ثلاثة حلقات ، الأولي تتعلق بإشكالية العلاقة بين وسائل الإعلام والديمقراطية، والثانية تتعرض لوظائف وسائل الإعلام في المجتمع الديمقراطي، بينما تناقش الحلقة الأخيرة الدور الذي يمكن أن تقوم به وسائل الإعلام العربية في تدعيم عملية التطور الديمقراطي والتغيير السياسي . 

لا توجد نظرية علمية شاملة ودقيقة توضح وتشرح طبيعة الدور الذي تقوم به وسائل الإعلام في عملية التحول الديمقراطي، فالدراسات والنظريات المتوافرة حول هذه القضية يكتنفها التنافر والغموض لدرجة التعقد والتشابك إلى حد كبير، فقد أوجدت تلك الدراسات تباينات حول عما إذا كانت هناك علاقة إيجابية أم سلبية بين وسائل الاتصال والديمقراطية، وعما إذا كان ينبغي أن تسبق عملية تحرر وسائل الإعلام خطوات التحول الديمقراطي أم العكس، فقد ذهب البعض إلى القول بعدم وجود أية علاقة مباشرة بين وسائل الاتصال والديمقراطية نظرا لأن الإعلام يشجع كلا من الإصلاح الديمقراطي وغير الديمقراطي، أو لأن وسائل الإعلام تلعب دورا فعالاً في إسقاط النظم الفاشية، ولكنها لا تلعب دوراً فعالاً في تأييد وتعزيز الديمقراطية، بينما يؤكد البعض الآخر على أن دور وسائل الإعلام التحريرية في عملية التحول الديمقراطي يرتبط في الأساس بدور وسائل الإعلام في الديمقراطيات القائمة، مما يعني ضرورة أن يسبق الإعلام الحر عملية التحول الديمقراطي ، فقد وجــد من خلال تحليله لست دول أن الإعلام الحر يشكل بداية التحول الديمقراطي، كما توصل إلى أن التحول الديمقراطي المبني على الإعلام الحر فعلاً في أمريكا اللاتينية، وفي المقابل يرى البعض الآخر أن وسائل الإعلام والديمقراطية كلا منهما مساند للآخر بالتبادل ، بما يعني أن تحرير وسائل الإعلام يعد جزءاً لا يتجزأ من عملية التحول الديمقراطي .

إشكالية العلاقة بين وسائل الإعلام والديمقراطية:

ذهب البعض إلى القول بعدم وجود أية علاقة مباشرة بين وسائل الاتصال والديمقراطية ، نظرا لأن الإعلام يشجع كلا من الإصلاح الديمقراطي وغير الديمقراطي، أو لأن وسائل الإعلام تلعب دورا فعالاً في إسقاط النظم الفاشية، ولكنها لا تلعب دوراً فعالاً في تأييد وتعزيز الديمقراطية، بينما يؤكد البعض الآخر على أن دور وسائل الإعلام التحريرية في عملية التحول الديمقراطي يرتبط في الأساس بدور وسائل الإعلام في الديمقراطيات القائمة، مما يعني ضرورة أن يسبق الإعلام الحر عملية التحول الديمقراطي . 

فقد وجــد ( Jones 2002 ) من خلال تحليله لست دول أن الإعلام الحر يشكل بداية التحول الديمقراطي، كما توصل (Fox 1998) إلى أن التحول الديمقراطي المبني على الإعلام الحر فعلاً في أمريكا اللاتينية، وفي المقابل يرى البعض الآخر أن وسائل الإعلام والديمقراطية كلا منهما مساند للآخر بالتبادل ، بما يعني أن تحرير وسائل الإعلام يعد جزءاً لا يتجزأ من عملية التحول الديمقراطي، فقـد لاحظ Hyden and okigbo 2002 ، التأثيرات المتبادلة بين وسائل الإعلام والديمقراطية في إفريقيا حيث وسائل الإعلام والتحول الديمقراطي يساعد كل منهما الآخر في علاقة ثنائية الاتجاه ، وفي هذا الإطار يرى الباحث أنه يمكن تصنيف الدراسات المفسرة للعلاقة بين وسائل الإعلام والتحول الديمقراطي في ضوء اتجاهات ثلاثة وهي:

الاتجاه الأول: يعترف بالدور الفاعل للإعلام في عملية الإصلاح السياسي والتحول الديمقراطي باعتبار أن وسائل الإعلام هي أداة أساسية في الانتقال إلى الديمقراطية، والإصلاح السياسي بمعناه العام.

الاتجاه الثاني: ينظر بنظرة سلبية لدور وسائل الإعلام في عملية التحول الديمقراطي والتغيير السياسي من منطلق عدم وجود علاقة إيجابية واضحة بين التحول الديمقراطي وحرية وسائل الإعلام أو التشكيك والتقليل من أهمية دور وسائل الإعلام في التحول الديمقراطي.

الاتجاه الثالث: ينظر هذا الاتجاه إلى طبيعة العلاقة بين الإعلام والديمقراطية بوجهة نظر اعتدالية تعطي للإعلام أدواراً محددة في مرحلة التحول.

النظرة السلبية لدور وسائل الإعلام في عملية التحول الديمقراطي

ينظر مؤيدو هذا الاتجاه بنظرة سلبية إلى دور وسائل الإعلام في عملية التحول الديمقراطي والإصلاح السياسي، فلا يرى هذا التوجه في الخبرات العملية، ما يثبت وجود علاقة إيجابية واضحة بين الظاهرتين، كما أن أصحاب هذا التوجه لا يمتلكهم إطار فكري مشترك، فالبعض منهم الذي يعتمد على النظريات الثقافية في التفسير يذهب إلى تبني مواقف إيديولوجية تفترض أن وسائل الإعلام تقوم بوظيفة مساندة السلطة في المجتمع على فرض نفوذها، والعمل على دعم الوضع القائم، وينظر لدور وسائل الإعلام في نشر الثقافة الجماهيرية التي تسهم في استمرار نفوذ الفئات المستفيدة في المجتمع، بما يعني عودة الدور التعبوي للإعلام الجديد تحت غطاء التعددية .

فيرى McQuail  أن حرية وسائل الإعلام تكون نتيجة من نتائج التحول الديمقراطي وأن إصلاح وسائل الإعلام وزيادة قدرتها يكون فعالاً ومفيداً فقط في سياق الديمقراطية القائمة، كما يذهب McConnell and Becker ، إلى عدم تجاهل إمكانية وجود علاقة سلبية بين وسائل الإعلام وبين التحول الديمقراطي، فمن الممكن أن يكون الإعلام الحر أحد المعوقات الرئيسة للديمقراطية، أو أن التحول الديمقراطي قد يتلف الإعلام الحر نظراً للافتقار إلى نموذج أساسي ثابت يحدد ويتنبأ بالتقنيات التي تربط الإعلام بالتحول الديمقراطي، ويؤكد الباحثان أنه رغم وجود بعض الدراسات التي تناولت هذه الإشكالية، إلا أنها رغم فوائدها، تمثل دراسات حالة والتي بطبيعتها لا تمكننا من التمييز بين الأنماط العامة والحوادث الفريدة، فما زلنا نفتقر للعمل الفاحص عما إذا كانت العلاقة بين الإعلام الحر والتحول الديمقراطي ثابتة عبر المكان أم عبر الزمان.

فيرى هذا الاتجاه أن هناك علاقة اعتماد متبادل بين النظام السياسي والنظام الاقتصادي، وكلاهما يهدفان إلى ترسيخ نمط اجتماعي يسود المجتمع يعد هو مصدر التغيير في الثقافة، ولا يسمح بأي تغيير إلا في ضوء ما يخدم العلاقة بين النظام السياسي والنظام الاقتصادي ومن هنا، فإن وسائل الإعلام والمؤسسات الثقافية هما أهم أداتين لاستمرار النمط الاجتماعي المسيطر، وتظل هذه الوسائل غير قادرة على الانفكاك من هيمنة القوى المسيطرة لأنها مصدر شرعيتها، وحمايتها، ومصدرها الإعلامي الذي يوفر لها القدرة على الاستمرار في المجتمع.

العلاقة بين وسائل الإعلام والتحول الديمقراطي نظرة اعتدالية 

ينظر مفسرو هذا الاتجاه إلى دور وسائل الإعلام في عملية التحول الديمقراطي بنوع من الحذر في المرحلة التي تسبق خطوات التحول حتى تبدأ إشارات واضحة إلى ضرورة إجراء إصلاحات سياسية وديمقراطية، ويرى هذا الاتجاه، أن الكثير من الخبرات السياسية للعديد من المجتمعات تفيد بأن وسائل الإعلام لا تسهم بشكل إيجابي أو جدي في التهيئة للتحول الديمقراطي، بل تفيد بعض الخبرات أن وسائل الإعلام أسهمت في إطالة عجز الأنظمة الاستبدادية، ودعمت استمرار الوضع القائم، بينما يتبلور دورها الفعال في أثناء عملية التحول للديمقراطية نفسها، حيث تعد مهمة تطور وإصلاح وسائل الإعلام ودمقرطتها واحدة من المهام الأساسية للإصلاح السياسي والتحول الديمقراطي بشكل عام.

ويدعم هذا التوجه الكثير من البحوث والدراسات التي تمت في هذا الإطار والتي أشارت في مجملها إلى ضعف مساهمة وسائل الإعلام في التهيئة لعملية التحول الديمقراطي في ضوء استمرار سيطرة الحكومات على هذه الوسائل، فقد توصل كل منDavidtJames.w ، إلى عدم وجود علاقة ارتباطية ذات دلالة إيجابية بين انتشار التقنيات الاتصالية والديمقراطية، واتساع قاعدة المشاركة السياسية في ظل الهيمنة الحكومية على هذه الوسائل في الدول التي تسير في اتجاه التحول الديمقراطي المحدود.

وظائف وأدوار وسائل الإعلام في المجتمع الديمقراطي:

• القدرة على تمثيل الاتجاهات المختلفة داخل المجتمع

• حماية وسائل المجتمع

• توفير المعلومات للجمهور

• المساهمة في تحقيق الوحدة الاجتماعية

• حق الجمهور في الوصول إلى وسائل الإعلام

• المناقشة الحرة

• الاستقلال عن السلطة






 

المراجع :

منير عواد, ديسمبر 26, 2008 , وسائل الإعلام والإصلاح السياسي إشكالية العلاقة  1 , master fr .

د. عيسى عبدالباقي , 6 اكتوبر 2012 , وسائل الإعلام والتحول الديمقراطي في الدول العربية إشكالية الدور وآليات التعزيز , المركز العربي لأبحاث الالكتروني  "

المقالات الأخيرة