كيف تؤثر الاضطرابات في ليبيا على المسار السياسي المُرتقب؟
فرع القاهرة

في 12 مايو 2025، اندلعت اشتباكات عنيفة في العاصمة الليبية طرابلس بين كتائب مسلحة تابعة لحكومة الوحدة الليبية المنتهية ولايتها بقيادة “عبدالحميد الدبيبة”، شملت بشكل رئيسي اللواء 444 و اللواء111 من جهة، وجهاز دعم الاستقرار التابع للمجلس الرئاسي من جهة أخري، وذلك نتيجة مقتل قائد الجهاز “عبدالغني الككلي” المُلقب بـ “غنيوة” خلال اجتماع في معسكر “التكبالي” التابع للواء 444 في حادثة شكلت نقطة تحول في مجريات الصراع الميداني، وقد تصاعدت حدة الاشتباكات في اليوم التالي لتشمل مناطق واسعة جنوب العاصمة، خاصة منطقتي “أبو سليم” و”مشروع الهضبة”، حيث يتركز مقر جهاز دعم الاستقرار. كما أكدت وزارة الدفاع التابعة لحكومة الوحدة في 15 مايو فرض سيطرتها الكاملة على منطقة “أبو سليم”، بما في ذلك المقرات الرئيسة لجهاز دعم الاستقرار، مشيرةً إلى استمرار عملياتها العسكرية لتعزيز الأمن والاستقرار في العاصمة.

كما اندلعت اشتباكات في 14 مايو بين اللواء 444 قتال وجهاز الردع بقيادة “عبدالرؤوف كارة”، إثر محاولة حكومة الدبيبة فرض قرارات مثيرة، أبرزها حل جهاز الردع، مما أسفر عن خسائر بشرية ومادية وزاد من حدة الانقسام السياسي والأمني وتزامن ذلك مع بدء بعثة الأمم المتحدة مشاورات بشأن قانون انتخابي جديد لكسر الجمود السياسي في ليبيا لذلك تطرح هذه التطورات تساؤلات جوهرية حول مستقبل العملية السياسية في ليبيا، لا سيما فيما يتعلق بإجراء الانتخابات المرتقبة، واستدامة مؤسسات الدولة في ظل حالة الانفلات الأمني والصراعات المسلحة المتكررة.

تداعيات الصراع

يعكس اشتعال المواجهات المسلحة في طرابلس، هشاشة الأمن وانهيار سلطة الدولة، كما قد يعيد مقتل “الككلي” تشكيل موازين القوى، ويفاقم تعقيدات المسار السياسي والانتخابي، كالتالي:

مقتل عبدالغني الككلي وتداعياته الأمنية: يُشكل مقتل “عبدالغني الككلي” المُلقب بـ “غنيوة”، أحد أبرز قادة الميليشيات وأقوي الشخصيات الأمنية في المدينة، منعطفًا حاسمًا في المشهد الأمني بالعاصمة الليبية طرابلس، حيث كان يتمتع “الككلي” بسيطرة فعلية على مناطق استراتيجية كحي “أبو سليم”، وقد لقي مصرعه خلال كمين داخل مقر اللواء 444، التابع لحكومة الوحدة الوطنية، أدى مقتله إلى اشتباكات عنيفة خلفت ما لا يقل عن قتل 58 شخصًا، بينهم 6 مدنيين و96 جريحًا، إلى جانب فرار عدد من السجناء من شجن الجديدة، وسارعت قوات اللواءين 444 و111، المواليتين لرئيس الحكومة “عبد الحميد الدبيبة” للسيطرة على مقرات جهاز دعم الاستقرار الذي كان يقوده “الككلي”، في خطوة تعزز موقع “الدبيبة” داخل طرابلس رغم هذه التحركات، لا تزال قوات الردع الخاصة تسيطر على مواقع استراتيجية كمطار “معيتيقة”، مما يعكس هشاشة الوضع الأمني واستمرار الانقسام داخل طرابلس.

كان “الككلي” لاعبًا مركزيًا في المشهد الأمني منذ 2011، حيث أنشأ ميليشيا في حي “أبو سليم” عقب سقوط القذافي، ووسع نفوذه لاحقًا عبر دمج قواته ضمن هياكل الدولة الرسمية في عام 2016 تحت إشراف وزارة الداخلية، ليصبح قائدًا لجهاز دعم الاستقرار تمتع بنفوذ اقتصادي وإداري واسع داخل مؤسسات الدولة. تشير ظروف مقتله، في اجتماع كان يُفترض أنه تفاوضي إلى “تصفية مدبرة” على الأرجح، في إطار إعادة ترتيب التحالفات داخل العاصمة وإعادة هيكلة خريطة السيطرة بين الفصائل المسلحة، ما يزيد من تعقيد المشهد الأمني والسياسي في ليبيا.

وتجدر الإشارة، إلى أن قوات “الككلي” لعبت دورًا محوريًا مهمًا في عملية “بركان الغضب” في عامي 2019 و2020، حيث تمكنت من منع محاولة المشير “خايفة حفتر” من الاستيلاء على طرابلس.

تعطيل للمؤسسات وتعليق الرحلات وسط حالة طوارئ: أدي اتساع الاشتباكات المسلحة إلى أحياء صلاح الدين ومشروع الهضبة وزاروية الدهماني إلى شلل في مؤسسات الدولة، حيث أُغلقت المدارس والجامعات وعلقت الدراسة والامتحانات والأنشطة الإدارية بشكل كامل، بحسب ما أعلنت وزارة التعليم وجامعة طرابلس، التي أكدت توقف العمل “حتى إشعار آخر” كما قررت 4 بلديات تعليق الدوام، بينما جرى تعليق الرحلات الجوية في مطار “معيتيقة” الدولي وتحويلها إلى مطار “مصراتة”، مع انقطاع الكهرباء في عدد من المناطق ورغم تأكيد رئيس بلدية طرابلس “إبراهيم الخليفي” أن إطلاق النار قد تراجع بحلول صباح يوم 13 مايو 2025، فإن الحركة في عدد من أحياء المدينة لا تزال متوقفة، نتيجة تصاعد الاشتباكات في 14 مايو، وسط دعوات من وزارة الداخلية للسكان بالبقاء في منازلهم. كما أعلنت وزارة الصحة حالة الطوارئ في كافة مستشفيات العاصمة، في حين رفع الهلال الأحمر الليبي مستوى استجابته إلى الدرجة القصوى، مؤكدًا التزامه بتقديم الدعم الإنساني بحياد تام.

غضب شعبي وانقسام سياسي وأمني: شهدت هذه الأزمة تفاقمًا غير مسبوق، إذ تحولت من قضية أمنية إلى موجة غضب سياسي واجتماعي عارمة، حيث اندلعت احتجاجات واسعة في مناطق طرابلس، مثل أبو سليم وسوق الجمعة وفشلوم، مطالبة بكشف ملابسات مقتل “غنيوة” وإسقاط حكومة “عبد الحميد الدبيبة” التي اتُّهمت بالتقصير والتواطؤ في الملف الأمني، وأصدرت المجالس المحلية بيانات حملت حكومة الوحدة الوطنية مسؤولية تفجر الاشتباكات، متهمة إياها بمحاولات فرض هيكلة أمنية جديدة دون توافق ميداني، مما يعكس انفجار الحاضنة السياسية والاجتماعية للحكومة وفي رد فعل مؤسسي، أصدر المجلس الرئاسي برئاسة “محمد المنفي” قرارًا بتجميد صلاحيات حكومة الوحدة في الملفات الأمنية والعسكرية معلنًا وقف الاشتباكات المسلحة في طرابلس ومطالبًا بعودة المجموعات المسلحة إلى مناطق نفوذها السابقة مع تحميل المخالفين المسؤولية القانونية. كما بدأت قوات المحايدة الانتشار على خطوط التماس وقوات إنفاذ القانون في 15 مايو الجاري، لضمان تثبيت التهدئة وفض أي تجدد للاشتباكات، ضامنةً بذلك وقفًا فوريًا للعنف في العاصمة.

ردود الفعل

أثار استمرار التصعيد في العاصمة الليبية طرابلس، موجة واسعة من ردود الفعل، التي تباينت بين الإدانات الرسمية، والتحذيرات الإقليمية والدولية. فعلى المستوي المحلي (المؤسسات الرسمية)، سارع المجلس الرئاسي، إلى إصدار قرار يقضي بتجميد جميع قرارات الدبيبة ذات الطابع الأمني والعسكري، كما دعا إلى وقف فوري لإطلاق النار وتشكيل لجنة تحقيق لتقصي الحقائق وتقييم الأضرار. أما مجلس النواب، فقد حمل حكومة عبد الحميد الدبيبة المسؤولية الكاملة عن تفجر النزاع، مندّدًا بتصرفاتها ومطالبًا بسحب الاعتراف الدولي منها، وداعيًا لتشكيل حكومة وطنية موحدة تنهي الانقسام السياسي واتهمت الحكومة المكلفة برئاسة “أسامة حماد”، حكومة الدبيبة بالمسؤولية المباشرة عن تأجيج الفوضي، مؤكدة أن الجماعات المسلحة المشاركة لا تمثل الدولة وتهدد سلامة المواطنين وقد عبر المجلس الأعلى للدولة، عن تفضيله العودة لمسار التوافق مع مجلس النواب، مشددًا على أهمية الحوار وتشكيل حكومة موحدة لإنهاء المرحلة الانتقالية.

أما مواقف الأطراف الإقليمية والدولية، فكانت متباينة، فقد أعربت جمهورية مصر العربية، عن بالغ قلقها من تفاقم الأوضاع الأمنية، ودعت جميع الأطراف إلى التهدئة. كما نصحت رعاياها في ليبيا باتخاذ أقصى درجات الحذر وطالبت تركيا، بوقف إطلاق النار والانخراط في حوار سياسي شامل، معلنة استعدادها للمساعدة في الوصول إلى تسوية دائمة وكررت الإمارات، دعوتها لوقف فوري للقتال، مع التأكيد على دعمها لكل ما من شأنه الحفاظ على وحدة ليبيا أما جامعة الدول العربية، فقد حثت على وقف التصعيد وشددت على ضرورة اعتماد الحوار كخيار وحيد للخروج من الأزمة أما بعثة الأمم المتحدة في ليبيا (أونسميل)، فقد أدانت تصاعد العنف، مشددة على ضرورة حماية المدنيين، وحذرت من أن استهدافهم قد يشكل جرائم حرب ودعا الأمين العام للأمم المتحدة “أنطونيو جوتيريش” إلى المحافظة على الهدنة والبناء عليها عبر حوار جاد أما الاتحاد الأوروبي، فقد أبدى قلقه من حجم الضحايا والدمار، مؤكدًا دعم الجهود الرامية لإيجاد حل سلمي، مع التشديد على ضرورة محاسبة مرتكبي الانتهاكات. وفي ظل استمرار العنف أصدرت سفارات الدول الخمس الكبرى (الولايات المتحدة، فرنسا، بريطانيا، ألمانيا، إيطاليا)، بيانًا مشتركًا يدعو إلى حماية المدنيين ووقف العنف، محذّرة من تداعيات استمرار الاقتتال على استقرار ليبيا كما شاركت شاركت القلق الأممي دولتي كندا والنمسا، مؤكدتا على أن أي استهداف للمدنيين لا يمكن التغاضي عنه وقد يرقى إلى جرائم يعاقب عليها القانون الدولي.

انعكاسات الانقسام

تفاقم الانقسام السياسي والأمني في ليبيا، يعطل مسار الاستقرار ويعرقل إجراء الانتخابات الحرة. كما يتسبب التنافس بين الحكومتين والمؤسسات المتنازعة في ضعف مؤسسات الدولة وفقدان الثقة الشعبية، ويتم توضيح ذلك بشكل أكثر تفصيلاً على النحو التالي:

تأثير الاضطرابات على المسار السياسي والانتخابات:تشكل الاضطرابات الأمنية في ليبيا عاملاً معيقًا رئيسيًا أمام تحقيق الاستقرار السياسي وإجراء انتخابات نزيهة، حيث يكشف التصعيد الأخير عن عمق الانقسامات السياسية ومحدودية قدرة الأطراف الفاعلة على توحيد المؤسسات وإدارة الأزمات. فوجود حكومتين متنافستين، الأولى حكومة الوحدة الوطنية برئاسة “عبد الحميد الدبيبة” المدعومة من تركيا وتتخذ من طرابلس مقرًا لها، وتسيطر على غرب البلاد، والثانية الحكومة المكلفة من قبل مجلس النواب برئاسة “أسامة حماد”، وتتخذ من بنغازي مقرًا لها وتبسط نفوذها على شرق البلاد وأجزاء من الجنوب وتحظي حكومة “حماد” بدعم غير مباشر من روسيا من خلال علاقاتها الوثيقة بـقائد الجيش الوطني الليبي المشير “خليفة حفتر”، مما يعكس واقعًا معقدًا يصعب معه تنظيم انتخابات حرة في ظل تفاقم الصراعات المسلحة وتدخلاتها السياسية، ما يقوض الثقة الشعبية والمؤسسية ويؤخر إجراء الانتخابات منذ تأجيلها في ديسمبر 2021. كما تؤدي الاشتباكات المستمرة إلى تفكك التحالفات الأمنية التي كانت تدعم الحكومة وانحدار شرعيتها بين قواعدها الشعبية، خصوصًا مع تصاعد الغضب الشعبي والاحتجاجات في طرابلس التي كانت معقلًا للحكومة، مما يضعف أي احتمالات لتوافق وطني ويحول المشهد السياسي إلى معركة مستمرة بين مراكز نفوذ متصارعة، فتغدو الانتخابات رهينة لهذا الانقسام المستدام.

تأثير الاضطرابات على مؤسسات الدولة: تكشف الاشتباكات الأخيرة في ليبيا عن هشاشة مؤسسات الدولة وانعدام فعاليتها في إدارة الأزمات الأمنية والسياسية، حيث يتجلى ضعف التنسيق بين أجهزة الدولة وتداخل الصلاحيات بين مختلف الجهات التنفيذية، خاصة في ظل تجميد صلاحيات حكومة الوحدة الوطنية في الملفات الأمنية والعسكرية من قبل المجلس الرئاسي، مما يعكس تناقضات داخل السلطة التنفيذية وتنافسًا على مراكز القرار. وفي الوقت ذاته، تستمر الصراعات بين مجلس النواب برئاسة “عقيلة صالح” والمجلس الرئاسي بقيادة “محمد المنفي” على الصلاحيات في المرحلة المقبلة، ورغم إعلان “المنفي” التزامه بقرارات السلطة القضائية.

كما يعاني المجلس الأعلى للدولة من انقسامات داخلية وتنافس على الشرعية، مما يؤدي إلى شلل مؤسسي ويعرقل اتخاذ القرارات الحاسمة، لا سيما المتعلقة بالقوانين الانتخابية والمرحلة الانتقالية. ويبرز مقتل شخصية أمنية بارزة مثل “عبد الغني الككلي” كدليل على تآكل التحالفات الأمنية وتفكك التوازنات التي كانت تدعم استقرار الحكومة، وهو ما يؤدي إلى تفاقم الفوضى الأمنية ويُضعف ثقة المواطنين بمؤسسات الدولة، ويعكس حالة انعدام سيطرة حقيقية على الأرض. هذا الواقع يُظهر هشاشة الاستقرار في الغرب الليبي، حيث يُعزى الهدوء النسبي السابق إلى تفاهمات مؤقتة بين الفصائل المسلحة وليس إلى مؤسسات متماسكة، ما يجعل أي حادثة عنف فرصة لانفجار الأوضاع وتصعيد الصراع السياسي والمؤسساتي، ويدفع إلى تصاعد المطالب الشعبية والسياسية لتغيير السلطة، وتشكيل حكومة وحدة وطنية جديدة تكون قادرة على استعادة الاستقرار والشرعية الوطنية.

سيناريوهات مُحتملة

في ظل المعطيات الحالية، يمكن تصور ثلاث سيناريوهات لمستقبل المسار السياسي في ليبيا، كالتالي:

السيناريو الأول،- تصعيد أمني وتفكك مؤسساتي: رغم الوعود المتكررة بوقف إطلاق النار، تظل احتمالات تجدد الاشتباكات المسلحة بين الفصائل المختلفة عالية، خاصة مع استمرار التحشيد العسكري في طرابلس، ورفض الأطراف تسويات لا تحقق مكاسب سياسية أو أمنية واضحة، وقد تؤدي محاولات حكومة الدبيبة لاستعادة السيطرة بالقوة على مناطق نفوذ الأجهزة المنافسة إلى موجات عنف جديدة، ما يعزز تفكك العاصمة إلى مناطق نفوذ متناحرة مع فقدان تدريجي للسيطرة المركزية على المؤسسات الأمنية، ويزيد من تعقيد الانقسامات السياسية بين المجلس الرئاسي، مجلس النواب، والمجلس الأعلى للدولة، مما يعوق التقدم في المسار السياسي ويعمق الأزمة الأمنية والسياسية، في ظل توسع الاحتجاجات المدنية والعصيان المدني، الذي يفاقم أزمة الحكم ويزيد من ضغوط الاستقرار. هذا السيناريو الأكثر ترجيحًا على المدي القريب.

السيناريو الثاني،- هدنة مؤقتة ومسار سياسي بديل بدعم دولي: مع استمرار الأزمة الأمنية والسياسية، وتراجع قدرة الحكومة على إدارة الوضع، قد تفرض وساطات محلية ودولية هدنة مؤقتة يصاحبها نشر قوات محايدة، لضمان احترام وقف إطلاق النار، مما يسمح بتهدئة نسبية دون تصعيد شامل. في هذا الإطار، تبرز مؤشرات على توافق بين مجلسي النواب والدولة، لإطلاق مسار سياسي موازي يقوم على تشكيل حكومة وحدة وطنية جديدة، تهدف إلى إدارة المرحلة الانتقالية، وتحظى بدعم إقليمي ودولي أوسع، مما يوفر فرصة لتعزيز دور المؤسسات الرسمية وإعادة ترتيب الأولويات الأمنية والاقتصادية.

السيناريو الثالث،- حل سياسي شامل معقد وطويل الأمد: يبقى الحل السياسي الشامل هدفًا بعيد المدى، يتطلب توافقًا واسعًا بين الأطراف المسلحة والسياسية على إصلاحات أمنية جوهرية، تشمل دمج الكتائب المسلحة ضمن مؤسسات الدولة الأمنية وإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية، لتعزيز دور الدولة وتقليل التنافس المسلح، بالإضافة إلى اعتماد قانون انتخابي جديد، يعكس توازن القوى الميداني، ويتيح إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية نزيهة، تستعيد الشرعية المؤسساتية للدولة ويتطلب هذا السيناريو دعمًا دوليًا وإقليميًا مكثفًا، وتنازلات كبيرة من جميع الأطراف، إلا أن ضعف الثقة المتبادلة والتعقيدات الأمنية والضغوط الشعبية، تجعل تحقيقه في المدى القريب أمرًا شديد الصعوبة.

ختاماً، يظل مستقبل ليبيا محاطاً بتحديات أمنية وسياسية كبيرة، تعرقل تحقيق الاستقرار المنشود، فقد أظهرت الأحداث الأخيرة في طرابلس مدى هشاشة الدولة، وانقسام القوى المسلحة والسياسية، مما يعرقل المسار الديمقراطي ويؤجل إجراء الانتخابات الحرة والنزيهة إن مقتل شخصية محورية كـ “عبد الغني الككلي” لم يكن مجرد حدث أمني، بل تجسيد لتنافس نفوذ يتجاوز حدود المصالح الفردية، ليشمل إعادة تشكيل خارطة القوة داخل العاصمة، مما يعكس هشاشة الدولة وتداخل الفاعلين المسلحين مع النظام الرسمي. ورغم محاولات بعض الأطراف لإعادة ترتيب خريطة النفوذ الأمني، فإن استمرار الاشتباكات والصراعات المسلحة، يعمق الانقسام ويضعف مؤسسات الدولة، ويجعل إمكانية التوافق الوطني بعيد المنال في الوقت الراهن، حيث يشكل الانفلات الأمني تهديداً لتآكل ما تبقى من شرعية المؤسسات، ويحول دون تحقيق توافق وطني حقيقي يمكن من خلاله استعادة ثقة الشعب وإجراء انتخابات حرة تمهد لمرحلة انتقالية مستقرة.

لكن في المقابل، تحمل هذه الأزمة فرصة لإعادة تقييم المشهد السياسي والأمني في ليبيا، والدفع نحو مشروع وطني شامل يستند إلى بناء مؤسسات مدنية قوية ومستقلة، وتحقيق المصالحة بين الفرقاء، إذا ما تضافرت الإرادات الوطنية والدعم الدولي الفاعل، ويمكن تخطي الانقسامات وتأسيس قاعدة لإجراء انتخابات حرة تضع ليبيا على طريق استقرار سياسي دائم. أما في حال استمرار الانقسام والصراع، فستظل البلاد عرضة لمزيد من الفوضى والتدخلات الخارجية التي تؤخر حلم بناء الدولة الليبية الحديثة.





 

المصدر: مركز رع للدراسات الاستراتيجية

الكاتب : عبير مجدي

التاريخ : 16/5/2025

---------------------------------------------

المصدر: الجزيرة نت

الكاتب : رشا الدرسي

التاريخ : 16/5/2025

المقالات الأخيرة