يطول الحديث عن التقنيات والابتكارات الحديثة في وقت تدعم فيه الدول الحلول الذكية بكل أشكالها، حيث تشكّل التكنولوجيا صلة وصل بين الانسان والأجهزة الالكترونية، فكيف لنا أن نضمن الاستثمار الصحيح في هذه القطاعات؟
تتخذ الحكومات والمؤسسات اجراءات صارمة وتخصص رأس المال لضمان استمرار التحول الرقمي في مساره الصحيح خلال العام 2023. يمضي التحول التكنولوجي إلى الأمام مع تمكين الأجهزة على المستويات كافة، ومع انتشار الوباء، وصلت البشرية إلى نقطة اللاعودة مع تغيير الأعمال ونمط الحياة، فيما تقود شبكات الاتصالات والجيل الخامس والذكاء الاصطناعي ونماذج الأعمال خدمة إعادة إنشاء البنية التحتية الرقمية والطاقة لتحمّل تدفق البيانات، في هذا الاطار من المحتمل أن يصل الانفاق العالمي على تقنيات التكنولوجيا والمعلومات إلى نحو 4.6 تريليون دولار في هذا العام 2023.
أين النظام العالمي من التطورات الرقمية؟
تخرج المؤتمرات العالمية بتوصياتها لتعزيز المشاركة في الأسواق التكنولوجية في وقت تتزايد فيه النشاطات الرقمية بين الدول. ويقف المستخدم أمام مرحلتين مع ظهور المزيد من الفرص والتقنيات المتاحة للاستثمار فيها. هذا ما يجعل التطور التكنولوجي بالغ الأهمية إلى جانب دعم التمويلات التي ستشكّل أفق الحكومات للأشهر المقبلة. تختلف طريقة تعامل القطاعات مع التكنولوجيا. وفقاً للدراسات، 85 ف% من المدراء التنفيذيين الذين سرّعوا مبادراتهم الرقمية أثناء انتشار الوباء، واجهوا في المقابل تحديات عدّة لترجمة هذا التحول إلى استراتيجية فعلية.
يحتاج التحول التكنولوجي التنظيمي إلى رأس مال كبير حيث هناك مقاييس عدّة يجب أخذها بالاعتبار لتعزيز مكانة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. قلّة هي المشاريع القابلة للتطبيق فوراً مع الحاجة إلى الكفاءات والمهارات لا نجاز كل البرامج الرقمية التي تطمح إليها الشركات الناشئة الصغيرة والمتوسطة.
على مستوى التطورات المجتمعية التي تواكب التحولات التكنولوجية، تبلغ الكلفة التقديرية لضمان حصول كل فرد على فرصة استخدام الإنترنت من 700 مليار دولار إلى 2 تريليون دولار. وفي ظل الوضع الحالي، يعيش 95% من سكان العالم ضمن نطاق البنية التحتية الرقمية ذات النطاق العريض.
تجري التحولات الايجابية على قدم وساق مع فهم مبادئ التحول الرقمي ومعايير التكنولوجيا الناجحة. وعلى الرغم من أهمية البنية التحتية الرقمية لا يمكن اعتبارها كأولوية مطلقة في الاستثمار العالمي، إذ يجب أن تترافق مع إنشاء عدد أكبر من مراكز البيانات وتفعيل استخدام المواقع الالكترونية لإتمام كل الأمور اليومية.
في هذا الاطار، نحن بحاجة إلى وجود استراتيجية شاملة تستفيد منها كل الحكومات والشركات مع تمكين التحول الرقمي وتخصيص ما يكفي من المال والطاقات البشرية للاستثمار في التكنولوجيا في الشكل الصحيح.
اضطراب رقمي دولي
عند مناقشة الفوضى المحتملة نتيجة للمنافسة بين دولتين مثل الصين والولايات المتحدة الأمريكية تمتلكان الطاقة النووية، قال هنري كيسنجر، "لن يستخدم أي من الجانبين أسلحة الدمار الشامل لأن الخصم كان دائمًا قادرًا على إلحاق مستوى غير مقبول من الدمار ردًا على ذلك." كان افتراض كيسنجر أن الدول تعرف من هم خصومها، ويمكنها حتى أن يكون لديها إشارات لهجمات محتملة وتستعد لها. لذلك كانت استراتيجية الردع فعالة.
لسوء الحظ، لم تعد هذه العملية الحسابية تعمل في الفضاء الإلكتروني بعد الآن فالفضاء الإلكتروني موجود إلى حد كبير على الإنترنت ويتبادلون المعلومات بحرية في الفضاء الإلكتروني. ويمكن للمتسلل أو المنظمة التي تدخل بشكل غير قانوني إلى هذه الشبكات أن تتسبب في عواقب وخيمة؛ حيث يمكنهم الوصول إلى المجالات السيبرانية للحكومات أو الشركات لتعطيل البنية التحتية أو الشبكات الوطنية المهمة وربما تدميرها.
واستكمالًا لذلك، يمكن تحفيز الآخرين بالمال لسرقة البيانات للتداول في السوق السوداء أو المطالبة بفدية على سبيل المثال، في أستراليا، أدى هجوم إلكتروني على شركة الاتصالات Optus وعلى Medibank إلى اختراق البيانات الشخصية لما يقرب من 20 مليون شخص، بما في ذلك أسمائهم وأرقام هواتفهم وبياناتهم الصادرة عن الحكومة وغيرها من المعلومات الحساسة. ولعل التحدي الحقيقي يتمثل في أنه غالبًا ما يكون من المستحيل تحديد المتسللين أو نسبهم إلى أي دولة ذات سيادة.
ووسط تصاعد التوترات الجيوسياسية، يمكن أن تشن الدول أيضًا هجمات إلكترونية، والتي يمكن أن تهدد الأمن القومي لخصومها وتتسبب في تكاليف تعادل الحرب التقليدية باعتبار أن الفضاء الإلكتروني يكتسب أهمية كبيرة؛ حيث أصبح منطقة أقل تنظيماً ولا يوجد نظام دولي واضح ومتفق عليه يحكم سلوك الجهات الفاعلة - والتي تشمل الحكومات والمنظمات الخاصة والأفراد، وبشكل متزايد الأجهزة التي تدعم الذكاء الاصطناعي. كما أنه في ظل غياب مثل هذا النظام الرقمي الدولي، ستستمر الجهات الفاعلة في اتباع القواعد والمعايير الخاصة بها ، والنتيجة المحتملة هي الفوضى في الفضاء السيبراني.
السيادة الإلكترونية
من بين جميع القضايا المتعلقة بالنظام الرقمي الدولي، تبرز قضية سيادة الفضاء الإلكتروني، على الرغم من تعريف المفهوم بشكل غامض حاليًا وإن كان الإجماع الدولي هو أن السيادة الإلكترونية يجب أن تتبع قواعد السيادة المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة، فمنذ إنشاء الأمم المتحدة، كان هناك إجماع على أن سيادة الدول هي أساس القانون الدولي بسبب الطبيعة المفتوحة والمتعددة للفضاء السيبراني، وفي ظل الصعوبات المحيطة بالتمييز بين انتهاكات القانون المحلية والدولية، لهذا السبب، لا يمكن تطبيق قواعد سيادة الأمم المتحدة بسهولة على الفضاء الإلكتروني إذا كانت السيادة الإلكترونية موجودة بشكل مستقل في عالم الإنترنت، فهل تعود السيادة الإلكترونية إلى كل دولة؟ أم أن هناك - أو ينبغي أن يكون هناك - هيئة عالمية فوق وطنية وفوق سيادة تحكم الجهات الفاعلة السيبرانية وأنشطتها؟
وضمن السياق ذاته، يتمثل التحدي المتمثل في بناء إجماع دولي حول السيادة الإلكترونية في أن الدول لديها وجهات نظر مختلفة واحتياجات مختلفة على سبيل المثال، عززت الصين منذ فترة طويلة القواعد الدولية لضمان سيادة الفضاء الالكتروني حجة بكين هي أنه عندما تتعرض السيادة الإلكترونية لدولة ما للهجوم يمكن غزو أنظمتها الشبكية وسيتم اختراق البيانات المتصلة بالشبكة، وفي مثل هذه الحالات، بدون فهم مشترك للحدود القضائية للسيادة الإلكترونية، فهناك صعوبات تتعلق بمعاقبة المهاجم أو مواجهة الغزو.
وفي العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، بدأت الولايات المتحدة في الترويج لمفهوم ما يعرف بــ "السيادة الفائقة للشبكة"، بحجة أن الدول ذات السيادة لديها القليل من الولاية القضائية السيادية على الإنترنت؛ حيث يجب أن تنتمي إلى سكان العالم وأن تكون منصة الحرية والديموقراطية ويتمثل جوهر هذه النظرية في معارضة سيادة الفضاء الإلكتروني من خلال تعزيز الهيمنة على الفضاء الاليكتروني والتي أرست الأساس لإطار سياسة الإنترنت الأمريكية.
وفي ظل الاتجاه نحو بلورة مفهوم للسيادة الرقمية ولبناء إطار عمل للحوكمة المشتركة، حولت الولايات المتحدة سياستها الخاصة بالإنترنت بعيدًا عن الدعوة للانفتاح والحرية واتبعت الحوكمة العالمية، ومع ذلك، فإن مستخدمي الإنترنت وممثليهم في البلدان التي ليس لديها قدرات إلكترونية مهيمنة لديهم فرصة ضئيلة للمشاركة في هذا الإطار.
تنافس القوى الكبرى في الفضاء السيبراني
تحمل المنافسة بين القوى الكبرى في الفضاء السيبراني بين الولايات المتحدة والصين أهمية استراتيجية هائلة لكلًا البلدين يتمثل الهدف الأساسي لواشنطن وبكين في هذه المنافسة في استخدام التفوق في القدرات الإلكترونية لصالحهما الجيوسياسي، وتكمن القدرة السيبرانية الأساسية في القوة التكنولوجية المتراكمة للدولة في رقائق أشباه الموصلات وأنظمة تشغيل الكمبيوتر وأدوات أتمتة التصميم الإلكتروني، والتي تمهد الطريق للحوسبة عالية الأداء والذكاء الاصطناعي والجيل التالي من شبكات الإنترنت والاتصالات المحمولة.
ولهذا السبب، فإن تصعيد التنافس بين القوى العظمى بين أمريكا والصين، من الحرب التجارية إلى حرب التكنولوجيا التي تركز على المنافسة في تلك التقنيات التأسيسية المتقدمة؛ حيث أصبحت موارد مهمة للسيادة الوطنية، والتنمية الاقتصادية، والأمن القومي. ولا تتعلق هذه المنافسة بالمقاييس التقنية فقط بل انتقلت أيضًا إلى الساحة السياسية؛ حيث يتصارع الطرفان على القواعد واللوائح الخاصة بإدارة عمليات نقل البيانات وتخزين البيانات.
ومن ناحية أخرى، فإن الولايات المتحدة لاحتواء تقدم الصين في مجال أشباه الموصلات هي مظهر واضح لهذه المنافسة؛ حيث سمحت القدرات السيبرانية المتنامية للصين بزيادة نفوذها في وضع المعايير ذات الصلة بتصميم وتشغيل الإنترنت في المستقبل، وتعزيز النظام الرقمي الدولي والذي يفسره الغرب على أنه يخدم الأهداف الجيوسياسية للصين، في حين طورت الولايات المتحدة استراتيجية كبرى تستند إلى السياسة الواقعية الرقمية بهدف أساسي يتمثل في تعزيز الهيمنة الإلكترونية للولايات المتحدة والحد من نفوذ الصين التي تمثل خصمها الرقمي الرئيسي.
ختاماً : ساهمت المنافسة بين القوى العظمى على الفضاء السيبراني في زيادة خطر الانفصال في الأنظمة التكنولوجية وفي الفضاء السيبراني نفسه، ما لم يتم التوصل إلى توافق في الآراء بشأن بناء نظام رقمي دولي.
المراجع :
_ أكرم حجازي ،22.4.2021 ،النظام الدولي الرقمي .. المرجعيات والآفاق ، موقع دراسات الواقع والتاريخ.
_ (ب ،ن )، (ب ،ت ) ،التحول الرقمي ، موقع علوم.
_ (ب ،ن ) ، 10.3.2022 ، اتجاهات التحول الرقمي ، رائد الاعمال العربي.