المسؤولية الجزائية عن افشاء اسرار الوظيفة

المقدمة

إذا كان حفظ السر أمراً تقتضيه الأخلاق والأمانة والحفاظ على الثقة بين الناس، فإن هناك أسراراً يعد الحفاظ عليها واجباً تقتضيه النزاهة وواجبات العمل، بل ويحميها القانون ويعاقب من يقوم بإفشائها، هذه الأسرار تتعلق بخصوصيات مهمة وحساسة يجب أن يكون القائم بها أميناً عليها وحريصاً على أن تبقى في طي الكتمان، لأن المصلحة العامة تقتضي ذلك ، ولكل عمل خصوصياته التي تتحدد حسب طبيعته، ولكنها في المحصلة تكون أسراراً يطلب من الموظفين المطلعين عليها حفظها وكتمها لنجاح العمل وضمان سريته .

أن التزام الموظف العام بالحفاظ على أسرار الوظيفة العامة وكتمانها يعد من أهم التزامات الموظف العام وواجباته الوظيفية، وذلك لتعلقه بمصلحة الإدارة ونظامها العام وحسن سير المرفق العام بانتظام واطراد، هذا من جهة، أخرى يمثل الحفاظ على أسرار الوظيفة أيضا احترام حقوق الأفراد وخصوصياتهم؛ لذا يشكل إفشاء الأسرار مشكلة كبيرة؛ لما يترتب عليه من آثار سواء بالنسبة للإدارة أم للأفراد

المقصود بالسر الوظيفي

السر لغة ما يكتمه الإنسان في نفسه، وكل خبر يقتصر العلم به على مجموعة من الأشخاص، أما السر الوظيفي فهو كل ما يتصل بالمعلومات والإجراءات والقرارات التي يطلع عليها الموظف من خلال ممارسة الوظيفة العامة، أي بحكم وظيفته، إما القضاء الفرنسي فيذهب إلى اعتبار المواضيع غير النهائية والأعمال التحضيرية التي تقوم بها الإدارة غير قابلة للاطلاع، وعلى ذلك فإن إفشاء الأسرار يعني الإفضاء بوقائع لها الصفة السرية من شخص مؤتمن عليها بحكم وظيفته أو مهنته خلافا للقانون. وإذا كان الاحتفاظ بالسر وعدم إفشاؤه يمثل التزاماً يقع على من علم به بحكم مهنته موظفاً كان أم غير موظف، فإن ما يختص به الموظف من تصديه للخدمة العامة يحمله التزامات صارمة في هذا الصدد أكثر من تلك التي تفرض عادة على العاملين خارج الإدارة العامة. وبديهي أن ليس كل ما يطلع عليه الموظف بحكم وظيفته من معلومات ينطبق عليه وصف السرية، بل لا بد من توفر شروط معينة لقيام هذه الصفة

اسرار الوظيفة أمانة لدى الموظف

لاشك أن لكل وظيفة سواء كانت وظيفة عامة أو وظيفة تابعة للشركات والمؤسسات الخاصة أسرار معينة ، وهذه الأسرار قد تتعلق بعمل الوظيفة نفسها أو بعمل الجهة أو المؤسسة التي يعمل بها الموظف أو بأحد رؤساءه أو بالمراجعين أو المتعاملين مع الجهة ،فبعض الوظائف تتسم بطبيعة أمنية ، وبعض الوظائف تتسم بطبيعة سياسية وبعض الوظائف تتسم بطبيعة اجتماعية وبعض الوظائف تتم بطبيعة مالية ولهذا على الموظف عدم الافشاء بسر من أسرار هذه الوظائف أو بمعلومة من المعلومات الخاصة بهذه الوظائف ، وان لا يتحدث في مجالسه الخاصة والمجالس التي تجمعه مع أصدقائه عن تلك المعلومات أو الاسرار التي يطلع عليها بحكم وظيفته لأن هذا الإفشاء للمعلومات أو الأسرار فضلا عن كونه يضر بالمصلحة العامة إن كانت الوظيفة عامة ، ( أي في الجهات التابعة للدولة ) أو بالشركة أو المؤسسة ،إن كانت الوظيفة خاصة ، فإنه يشكل في حقه جريمة جنائية ومخالفة تأديبية طبقا للقانون كما سنعرف لاحقاً ، من أجل ذلك فان المحافظة على أسرار الوظيفة تعتبر من أهم الواجبات الملقاة على عاتق الموظف مهما كانت الوظيفة التي يشغلها ، وهو ما يعني أن الموظف في حالة قيامه بإفشاء أي من المعلومات أو الأسرار المتعلقة بوظيفته لمن ليس له علاقة بها أو ليس له الحق في الاطلاع عليها يعتبر قد ارتكب مخالفة تتطلب إحالته للتحقيق ، ومن ثم توقيع العقوبة المناسبة عليه وذلك من أجل زجره حتى لا يعود إلى مثل هذا التصرف ، وكذلك ردع غيره من القيام بإفشاء أسرار الوظائف التي يشغلونها ، وبشكل عام يجب على الموظف ألا ينقل ، ما يحدث في الجهة التي يعمل بها من إشكالات أو معوقات أو خصومات بين المسؤولين ، أو الموظفين ، بل أن الواجب عليه أن كان يستطيع أن يسعى بجهده لحل ،هذه الإشكالات أو الخصومات ، كما أن عليه أن يلتزم بما يصدر إليه من تعليمات ، وان كان ما صدر إليه من تعليمات يخالف رأيه الموضوع الذي صدرت بشأنه التعليمات ، إلا أنه المعلومات أو الأسرار في العمل ، الوظيفي سواء كان في القطاع العام أو الخاص قد تفقد في يوم من ، الأيام سريتها لدى الموظف أو يكون الموظف بحكم القانون مطالب بالإدلاء بها ، وبالتالي، لا يؤاخذ الموظف في حالة تحدثه أو أباحته عن السر أو المعلومة التي، تحصل عليها بحكم وظيفة وذلك في الحالات التالية

إذا انتشر السر وأصبح شائعاً بين الناس 

إذا سمح صاحب الشأن بالسر في إفشائه 

إذا صدر قرار من صاحب الاختصاص حول الموضوع أو الأمر الذي كان سرياً واطلع عليه الموظف بحكم وظيفته

إذا كان إفشاء السر أو المعلومة يحول دون ارتكاب جريمة جنائية

التعريف بإفشاء المعلومات أو الأسرار

يمكن تعريف إفشاء الأسرار أو المعلومات بأنه الإفضاء بوقائع لها الصفة السرية من شخص مؤتمن عليها بحكم وضعه أو وظيفته أو مهنته بصورة مخالفة للقانون ، وقد عرف واجب كتمان السر منذ القدم ، حيث كان يحرم على رجال الدين البوح بالأسرار التي يطلعون عليها من الناس بحكم مركزهم ، ثم أمتد هذا الواجب إلى أصحاب المهن الحرة كالمحامين والأطباء وغيرهم ، فلا يجور لهم كشف الأسرار التي تصل إلى علمهم أثناء ممارستهم لمهنتهم

الحكمة من تجريم إفشاء المعلومات أو الأسرار

لقد كانت الحكمة من تجريم إفشاء الأسرار تكريساً لواجب أخلاقي تقتضيه مبادئ الشرف والأمانة ، وقد تضمنت كافة القوانين والشرائع واجب الحفاظ على الأسرار وتجريم إفشائها ليس فقط لحماية صاحب السر ومكانته ومركزه وشرفه بل وأيضا لصيانة المصلحة العامة في المجتمع وعدم تعريض سمعة المهن والمراكز السامية النبيلة للإهانة أو لعدم الثقة والاحترام كالطب والمحاماة والقضاء والوظائف وغيرها ، فإذا لم يجد المريض مثلا طبيبا يركن إليه ويودعه سره أو لم يجد المتهم محام يطمئن إليه ويصارحه بسره وإذا لم يجد المسؤول موظف أمين يأتمنه على أسرار الوظيفة أو الجهة المسؤول عنها لأدى ذلك إلى المس بحقوق الإنسان والإضرار بالمجتمع ككل ،ولا ننسى أن نشير هنا وبحكم أننا في مجتمع مسلم وشريعتنا هي القرآن أن من ضمن أخلاق المهنة في الاسلام المحافظة على سمعة الوظيفة وأسرارها ، فحفظ السر في الإسلام فضيلة وقد ورد في السنة النبوية العديد من الآثار والأحاديث التي تدل على ذلك منها قول الرسول صلى الله عليه وسلم " استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان فإن كل ذو نعمة محسود ، وإذا كان حفظ السر فضيلة فلمن حافظ على أسرار الناس أجر عظيم ، وأن الله يستره في الدنيا والآخرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة

من هم الأشخاص الملزمون بعدم إفشاء المعلومات أو الأسرار

لا يرتكب جريمة إفشاء الأسرار أي شخص بل الشخص المؤتمن عليها ، وقد نصت المادة 236 من قانون العقوبات الليبي على أن يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر كل موظف عمومي يخل بواجبات وظيفته أو يسيء استعمالها بأن يفشى معلومات رسمية يلزم بقاؤها سرية ، أو يسهل بأي طريق كانت الوصول إلى الإفشاء بها وهذا لا يعني أو يفهم منه أن الملزم بكتمان الأسرار هو الموظف العام فقط بل أن هناك فئات أخرى ملزمة قانوناً بذلك طبقاً للقوانين أو اللوائح التي تنظم أعمالهم ومن ذلك الأطباء طبقا لقانون المسئولية الطبية، والقضاة طبقا لقانون القضاء ، والعاملين بالمصارف طبقاً لقانون المصارف ، وأفراد الشعب المسلح ، الجيش حالياً طبقاً لقانون الخدمة في الشعب المسلح ، الجيش حالياً وأفراد الأمن والشرطة طبقا لقانون الشرطة ، أفراد الحرس البلدي طبقا لقانون الحرس البلدي .. الخ ، وكقاعدة عامة جميع الأشخاص الذين يطلعون بحكم وضعهم أو وظيفتهم أو مهنتهم على أسرار قد تتصل بأدق تفاصيل الحياة الشخصية والمهنية والفنية والمالية للأشخاص الطبيعيين والمعنويين

جريمة إفشاء الأسرار أو المعلومات في القانون الليبي

كما سبق أن أشرنا فأن إفشاء أسرار الوظيفة مجرم بموجب أحكام المادة 236 من قانون العقوبات أي أنه يشكل جريمة جنائية ، وقد شدد المشرع العقوبة إذا كان إفشاء الأسرار يتعلق بأمن الدولة ولمصلحة عملاء الحكومات الأجنبية أو الحصول عليها لغرض التجسس المواد ( 171 – 174 ) من قانون العقوبات ، بالإضافة إلى ذلك فأن واجب عدم إفشاء أٍراء الوظيفة والتكتم في أمورها يعتبر من أهم الواجبات التي نص عليها ، في العديد من

:التشريعات المعمول بها في ليبيا سواء كانت قوانين أو لوائح من ذلك


ما نص عليه في المادة 76 من قانون الخدمة المدنية رقم 55 لسنة 76 -

من أنه يجب على الموظف أن يكتم الأمور التي يطلع عليها بحكم وظيفته إذا كانت سرية بطبيعتها أو بموجب تعليمات تقضي بذلك ويظل هذا الواجب قائماً ولو بعد ترك الخدمة

ما نص عليه في المادة 69 / و من اللائحة الإدارية للشركات والمنشآت المملوكة للمجتمع -

من أنه يجب على المنتج أن يكتم الأمور التي يطلع عليها بحكم عمله في الشركة أو المنشأة إذا كانت سرية بطبيعتها أو بموجب تعليمات تقضي بذلك ويظل هذا الواجب قائماً ولو بعد انتهاء العمل بالشركة أو المنشأة

30 ما نصت عليه لائحة أعضاء هيئة التدريس غير الوطنيين بجامعات ليبيا في المادة -

 بأن يلزم عضو هيئة التدريس بعدم إفشاء المعلومات والبيانات السرية التي يطلع عليها بسبب وظيفته ويبقى هذا الالتزام قائماً حتى بعد انتهاء سريان عقده دون إذن الجهة التي يعمل لديها

ما نصت عليه المادة 84 من قانون المرافعات المدنية والتجارية -

من أن الموظفون والمستخدمون والمكلفون بخدمة عامة لا يشهدون ولو بعد تركهم العمل عما يكون قد وصل إلى علمهم في أثناء قيامهم به من معلومات لم تنشر بالطريق القانوني ولم تأذن السلطة المختصة في إذاعتها ، ومع ذلك فلهذه السلطة أن تأذن لهم في الشهادة بناء على طلب المحكمة أو أحد الخصوم ، كذلك ما نصت عليه المادة ( 1845 ) من نفس القانون بأنه لا يجوز لمن علم من المحامين أو الوكلاء أو الأطباء أو غيرهم من طريق مهنته أو صنعته بواقعة أو معلومات أن يفشيها ولو بعد انتهاء خدمته أو زوال صفته ما لم يكن ذكرها له مقصوداً به فقط منع ارتكاب جناية أو جنحة إلا أنه قد ورد استثناء على هذه المادة في المادة ( 186 ) حيث نصت على أنه استثناء من حكم المادة السابقة يجب على الأشخاص المذكورين فيها أن يؤدوا الشهادة عن تلك الواقعة أو المعلومات متى طلب منهم ذلك من أسرها لهم ، على ألا يخل ذلك بأحكام القوانين الخاصة بهم

ما نصت عليه المادة ( 13 ) من قانون المسئولية الطبية رقم 17 لسنة 1997 م -

من أنه لا يجوز إفشاء أسرار المريض التي يطلع عليها بسبب مزاولة المهنة إلا للجهات القضائية وفقاً للقانون

ما نصت عليه المادة ( 61 / 7 ) من قانون الأمن والشرطة -

من أنه يجب على عضو هيئة الشرطة أن يكتم الأمور التي يطلع عليها بحكم وظيفته إذا كانت سرية بطبيعتها أو بموجب تعليمات تقضي بذلك ويظل هذا الواجب قائم ولو بعد ترك الخدمة





:المصادر

سطام المقرن ، 3.4.2014 ، افشاء الاسرار الوظيفية ، العربية

يعقوب عبد العزيز الصانع ، 14.8.2019 ، جريمة افشاء اسرار الوظيفية العامة ، القبس

قانون العقوبات الليبي 1953 وتعديلاته

المقالات الأخيرة