يفتح
تصاعد وتيرة الصراع بين إيران والكيان الصهيوني الباب لتأثيرات وخيمة على الاقتصاد
العالمي على المديين القصير والمتوسط.
حيث
انه يدفع الاقتصاد العالمي فاتورة ضخمة للتوترات الجيوسياسية والحروب، ولا سيما ما
تشهده منطقة الشرق الأوسط من صراعات، والتي بدورها تفاقم أوضاع الاقتصادات الناشئة
والمتقدمة أيضا، ويجب على المستثمرين أخذ هذه المخاطر بعين الاعتبار حتى وإن رفعت
مؤسسات دولية بينها صندوق النقد الدولي من توقعاتها للنمو العالمي في 2024.
كما
حذرت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين حذرت من الأضرار الاقتصادية العالمية
المحتملة الناجمة عن تصاعد التوترات في الشرق الأوسط.
هذا
الصراع وغيره مما تشهده منطقة الشرق الأوسط من توترات جيوسياسية دفعت صندوق النقد
الدولي لخفض توقعاته لنمو اقتصادات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للعام الجاري بنحو 10 نقاط أساس عن تقديراته في يناير الماضي، وذلك رغم قيام الصندوق
برفع توقعاته لنمو الاقتصاد العالمي بنسبة 3.2% هذا العام، بزيادة 0.1 نقطة مئوية عن توقعاته السابقة في يناير.
وتشهد
منطقة الشرق الأوسط حربا مستعرة يشنها الكيان الصهيوني على قطاع غزة، وهجمات من
قبل الحوثيين على السفن التجارية في البحر الأحمر، أثرت سلبا على سلاسل الإمدادات
العالمية.
حيث
يعتبر تصعيد إيران الأخير أول هجوم مباشر لها على الكيان الصهيوني وسيكون له
تداعيات سلبية على الاقتصاد العالمي ولا سيما أسواق النفط. يقول تاماس فارغا
المحلل لدى "بي في إم إنرجي" إن "السوق تستبعد أي تصعيد محتمل
للأزمة بين إيران والكيان الصهيوني. ويعتقد أن أي انتقام صهيوني سيكون محسوبا،
ويرجع ذلك جزئيا إلى الضغوط الأميركية والدولية لممارسة ضبط النفس".
تعتبر
المنطقة مهمة جدا لأمن إمدادات الطاقة العالمية، ومنطقة الخليج أهم منتج للطاقة في
العالم، وتحتوي على 48% من الاحتياطيات العالمية المؤكدة وأنتجت 33% من النفط العالمي في عام 2022. كما أن إيران ما زالت تنتج ما يقرب من 3.2ملايين برميل نفط يوميًا، وفقًا لوكالة الطاقة
الدولية التي صنفتها العام الماضي في المرتبة التاسعة بين أكبر منتجي النفط الخام
في العالم.
أي
تصعيد للتوتر في المنطقة من شأنه أن يلقي بظلاله على أسعار النفط، التي وصلت
مستويات كبيرة مؤخرا. وقد عدلت بنوك من بينها "سيتي بنك" من توقعاتها
لأسعار النفط بعد الهجوم الإيراني على المدى القصير من 80 إلى 88 دولارا للبرميل. وفيما قد يؤدي تراجع
التصعيد إلى انخفاض الأسعار بشكل حاد في نطاق يتراوح من نحو 70 إلى 80 دولارا للبرميل، وهو ما
يؤكد أهمية منطقة الشرق الأوسط وتأثيره على أمن أسواق الطاقة في العالم.
التأثير
السلبي الأهم للتصعيد بين إيران والكيان الصهيوني هو على جانب آخر مرتبط بارتفاع أسعار النفط وهو
التضخم. قطع العالم شوطا كبيرا في مواجهة مستويات التضخم المرتفع، ودفعا ثمنا
كبيرا لترويضه قرب المستويات المطلوبة، وهي معركة لم تنته بعد ولا تزال متواصلة.
معركة
التضخم قد تواجه تحديات غير مسبوقة حال التصعيد. يقول كبير الاقتصاديين بصندوق
النقد الدولي بيير أوليفييه جورينشاس إن اتساع الصراع بين الكيان الصهيوني وإيران
من المرجح أن يؤدي إلى رفع أسعار الطاقة، وهو ما سيدفع بدوره البنوك المركزية إلى
تشديد السياسة النقدية للسيطرة على التضخم، وهو ما سيؤثر في النمو.
جورينشاس
توقع زيادة 15% في أسعار النفط العالمية بسبب اتساع صراع
الشرق الأوسط، بالإضافة إلى ارتفاع تكاليف الشحن لتجنب هجمات البحر الأحمر، ومن
المرجح أن يزيدا التضخم العالمي 0.7 نقطة مئوية.
أيضا
التجارة العالمية ستتأثر بشدة بالتوترات الجيوسياسية في المنطقة. قبل أيام حذرت
منظمة التجارة العالمية من مخاطر تعطل التجارة بسبب التوتر الجيوسياسي وتزايد
الحمائية وتفاقم أزمة الشرق الأوسط حيث أدت الهجمات على سفن تجارية في البحر
الأحمر إلى تغيير في مسار التجارة بين أوروبا وآسيا. وقالت المنظمة إن توقعاتها
لعام 2024 مهددة بخطر التراجع وتتراوح من أقل من 1.6 % إلى أكثر من 5.8 %.
كما
ستقلص هذه التوترات تدفق الاستثمارات والنشاط الاقتصادي، إضافة إلى حدوث تقلبات
حادة في الأسواق المالية. وقد تراجعت كافة البورصات العربية العاملة بسبب التصعيد
بين إيران والكيان الصهيوني.
تدفق
السياحة وتوقف حركة الطيران من بين القطاعات المتضررة من تزايد التوترات الجيوسياسية
وقد ألغت الكثير من شركات الطيران رحلاتها بعد الهجوم الإيراني على الكيان
الصهيوني، وأغلقت الأردن والعراق ولبنان مجالها الجوي.
انعكاسات مباشرة
أسفر
الهجوم الإيراني على الكيان الصهيوني ، عن عدد من التداعيات الاقتصادية المباشرة،
مست بشكل واضح عدداً من اقتصادات المنطقة، كما كان لها تداعيات واسعة على الاقتصاد
العالمي، وهو ما يمكن استعراضه على النحو التالي:
- تراجع الأسواق
العالمية عقب الهجوم الإيراني على الكيان الصهيوني : تعرضت الأسواق المالية العالمية لضغوط في أعقاب
الهجوم الإيراني على الكيان الصهيوني ؛ فبينما سجل سوق الأسهم في الكيان الصهيوني لخسائر
متواضعة، في أعقاب الهجوم الإيراني؛ حيث انخفض مؤشر TA-35، الذي يتتبع أكبر35سهماً في بورصة الكيان ، بنسبة 0.5%. فقد سجل مؤشر داو جونز أكبر خسارة أسبوعية له في يوم الجمعة
الموافق 12 من أبريل، منذ مارس 2023، بفعل المخاوف بشأن الانتقام الإيراني الوشيك، وعلى مدار الأسبوع،
انخفض مؤشر داو جونز بنسبة 2.4%، وتراجع مؤشر S&P 500 بنسبة 1.6%، وتراجع مؤشر ناسداك بنسبة 0.5%.
غير
أن عقود الأسهم الأمريكية في آسيا قد شهدت ارتفاعًا يوم 15 أبريل الجاري، بعد أن كابد مؤشر S&P 500 أسوأ جلسة له منذ يناير. حيث انخفضت مؤشرات الأسهم في اليابان
وكوريا الجنوبية وأستراليا، وتراجعت كذلك العقود الآجلة للأسهم في هونج كونج،
متأثرة بالتوترات في منطقة الشرق الأوسط.
- ارتفاع مؤقت في
العقود الآجلة لخام برنت: على
خلفية تهديدات إيران بشأن نيتها مهاجمة الكيان الصهيوني ، ارتفعت العقود الآجلة
لخام برنت 71 سنتاً إلى 90.45دولار للبرميل يوم 12 من أبريل الجاري، مع اقتراب الأسعار في الأسبوع السابق له من أعلى
مستوى في ستة أشهر. هذا وقد ارتفع سعر خام غرب تكساس الوسيط إلى 87.67 دولار، وهو أعلى مستوى خلال اليوم ذاته قبل أن يتراجع، منهياً
الأسبوع بخسارة قدرها 1.4%.
وفي
15من أبريل الجاري، انخفضت أسعار النفط بشكل جلي
عند افتتاح الأسواق الآسيوية، حيث تراجعت العقود الآجلة لخام برنت لنحو 24 سنتًا إلى 90.21 دولار للبرميل، فيما تراجعت العقود الآجلة
لخام غرب تكساس الوسيط إلى 85.28دولار للبرميل، في مؤشر على الارتفاع المؤقت في
أسعار العقود الآجلة لكلاً من خام برنت وخام غرب تكساس الوسيط، نتيجة الهجوم
الإيراني على الكيان الصهيوني.
- تعطيل بعض شركات
الطيران الكبرى رحلاتها: في
أعقاب الهجوم الإيراني على الكيان الصهيوني، أعلنت شركات الطيران الكبرى في مختلف
أنحاء الشرق الأوسط عن إلغاء بعض رحلاتها، في حين اضطرت إلى تغيير مسار بعض
الرحلات، وذلك على خلفية إغلاق بعض الدول ومن بينها لبنان والعراق والأردن
المجالات الجوية على نحو مؤقت.
- ارتفاع أسعار
الذهب: من جراء القلق
المتزايد الذي خيم على المستثمرين، اندفع المستثمرون نحو الذهب، مدفوعين بالطلب
المُلح على الملاذ الآمن، حتى وصل إلى ما فوق 2400 دولار للأوقية، وهو ما مثل مستوى قياسياً جديداً.
- استقرار أسعار
العملات المشفرة بعد عمليات واسعة: استعادت العملات المشفرة بعض المكاسب يوم 14أبريل ، في اليوم التالي لعمليات البيع التي أعقبت الهجمات الإيرانية على الكيان
الصهيوني ؛ حيث استقرت عملة البيتكوين عند 64771 دولاراً، وهي العملة التي كانت قد انخفضت بنسبة 7% إلى ما يزيد قليلاً عن 61000 دولار يوم 13 أبريل الجاري، لكن بالرغم من ذلك، لا تزال
أسعار العملات المشفرة أقل بكثير من المستويات التي تجاوزت 71000دولار يوم 12 أبريل الجاري.
تداعيات محتملة
إذا
دخلت التوترات بين الجانبين الصهيوني والإيراني في دورات تصعيدية جديدة – كأن يترتب
على الهجوم الإيراني على الكيان الصهيوني ، رد فعل صهيوني مضاد أكثر ضراوةً، أو أن ترفع إيران من درجات
التصعيد ضد الكيان الصهيوني – فإن ذلك من
المتوقع أن يكون له عدد من التداعيات الاقتصادية المحتملة، يمكن استعراضها على
النحو التالي:
-
تعطل محتمل في رحلات الطيران في عدد من دول المنطقة.
-
توقعات بمزيد من الارتفاعات في أسعار النفط.
-
انعكاسات محتملة على حركة الملاحة البحرية.
-
تفاقم أزمات الاقتصاد الصهيوني .
-
ارتفاعات محتملة في أسعار المعادن الثمينة
-
تقلبات متوقعة في أسواق المال العالمية
إجمالاً، أدى الهجوم الإيراني على الكيان الصهيوني إلى عدد من التداعيات الاقتصادية المباشرة، لم تمس اقتصادات الشرق الأوسط فحسب، بل هددت حركة الملاحة البحرية العالمية، ومن ثم حركة التجارة العالمية؛ فبينما دفع التصعيد الإيراني نحو تراجع أداء سوق الأسهم في منطقة الشرق الأوسط، وارتفاع أسعار النفط الخام والذهب؛ نظراً إلى تفضيل المتداولين الملاذات الآمنة في أوقات التوترات الجيوسياسية، وإيقاف عدد من شركات الطيران رحلاتها الجوية، فإن من شأن تجدد الخلاف بين إيران والكيان الصهيوني ، والدخول في دائرة من العنف، أن ينجم عنها مزيد من الاضطراب في حركة الملاحة البحرية ومن ثم الإضرار باستقرار الاقتصاد العالمي، فضلاً عن احتمالية تعرض الرحلات الجوية لشركات الطيران الكبرى في المنطقة إلى التوقف؛ ما قد ينتج عنه خسائر اقتصادية جمة لشركات الطيران، من جراء توقف رحلاتها الجوية، وغيرها الكثير من التداعيات الاقتصادية ذات التأثير الإقليمي والعالمي.
المراجع
_ سهير الشربيني، 19\4\2024، تداعيات
الهجمات الإيرانية ضد الكيان الصهيوني على الاقتصاد العالمي، انترريجونال
للتحليلات الاستراتيجية.
_ ماجد إبراهيم، 16/4/2024، التوترات
بين إيران والكيان الصهيوني .. ما تداعياتها الاقتصادية، سبوتنيك عربي.