الرئيس الأميركي القادم والصراعات العالمية
فرع القاهرة

 

تُعد الانتخابات الرئاسية الأميركية حدثاً ذا تأثير جوهري على القضايا الدولية، حيث تنعكس سياسات الرئيس الأميركي على عديد من النزاعات والصراعات في العالم، ومن ثم يترقب العالم نتائج الانتخابات بأمل أن تسهم في تخفيف حدة التوترات، خاصةً في المناطق الساخنة التي تتأثر بشكل مباشر بتوجهات السياسة الخارجية الأميركية، مثل الشرق الأوسط وأوروبا الشرقية.

ومع ذلك، يبقى السؤال الأهم: هل يُمكن لرئيس أميركي جديد أن يُنهي هذه الصراعات، أم أن تأثير الولايات المتحدة لا يتجاوز حدوده التي رسمتها المصالح القومية والاستراتيجية؟

تعد الولايات المتحدة قوة كبرى ذات تأثير أساسي في حل النزاعات أو تأجيجها، خاصةً مع تحكمها في ملفات معقدة مثل الملف النووي الإيراني، والنزاع بين روسيا وأوكرانيا، وقضية تايوان مع الصين.

بينما تتباين سياسات واشنطن تجاه هذه الصراعات بين الدعم الدبلوماسي والمساعدات العسكرية، غير أن تجارب الماضي تشير إلى أن تغيير الإدارة وحده قد لا يكون كافياً لحل تلك الأزمات، بل يتطلب تحولاً أعمق في نهج السياسة الخارجية.

من جهة أخرى، تعكس الصراعات المستمرة في العالم مدى تعقيد المشهد الدولي، حيث تتداخل فيه مصالح الدول الكبرى، بما فيها الولايات المتحدة، وتبرز تحديات ترتبط بتوازن القوى على سبيل المثال، النزاع الروسي الأوكراني تجاوز حدود الصراع الثنائي وأصبح بمثابة اختبار لصمود حلف الناتو وموقف أميركا ويمثل هذا النزاع نموذجاً على الصراعات التي قد لا تنتهي بتغير الرؤساء، بل بتوافقات دولية أوسع وإعادة ترتيب الأولويات الجيوسياسية.

كذلك في الوقت نفسه على صعيد الشرق الأوسط، تبدو الأمور أكثر تعقيداً، حيث فشلت عديد من الإدارات الأميركية في تحقيق سلام دائم في المنطقة رغم محاولات الوساطة المتعددة ورغم التحركات الأخيرة لتحسين العلاقات بين بعض الدول العربية وإسرائيل، إلا أن الأزمة الفلسطينية تبقى جرحاً عميقاً يحتاج إلى حل عادل وشامل فهل سيؤدي انتخاب رئيس جديد إلى حلول حقيقية أم مجرد تغييرات في الخطاب الدبلوماسي؟

استمرار الصراعات و كيفية التعامل مع الحروب

من جهته، استبعد خبير الشؤون الأوروبية، محمد رجائي بركات، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن يتغير مشهد الصراعات التي يمر بها العالم بعد حسم الانتخابات الرئاسية الأميركية مرجحاً استمرار تلك الصراعات، لا سيما فيما بين واشنطن وبكين والمنافسة بينهما على قيادة العالم بما في ذلك من الناحية الاقتصادية، أيًا كان المرشح الفائز سواء كان ترامب أو هاريس.

وفيما يتعلق بمنطقة الشرق الأوسط توقع أن تستمر سياسة الدعم المطلق من أميركا لإسرائيل، عبر استمرار تزويدها بالسلاح والمال، حال فوز المرشحة الديمقراطية هاريس كما هو الحال وأيضاً في حال فوز دونالد ترامب الذي قال مؤخراً إن إسرائيل دولة صغيرة ويجب أن تتوسع.

وأكد خبير الشؤون الأوروبية أن تصريحات ترامب تعني أنه في حال فوزه في الانتخابات فإنه سيساعد إسرائيل على احتلال أجزاء أخرى من الدول المجاورة، مما سيزيد من حدة التوتر واستمرار أعمال الإبادة الجماعية في قطاع غزة وأعمال التهجير.

فالواقع أن الرئيس الأميركي القادم سوف يضطر إلى التعامل مع عالم يواجه أعظم مواجهة بين القوى الكبرى منذ الحرب الباردة.

وتقول كومفورت إرو، رئيسة مجموعة «الأزمات الدولية» والمديرة التنفيذية لها: «تظل الولايات المتحدة الفاعل الدولي الأكثر أهمية في مسائل السلام والأمن؛ لكن قدرتها على المساعدة في حل النزاعات تقلصت».

وتضيف إرو أن الحروب أصبحت أكثر صعوبة في إنهائها. وتصف المشهد قائلة: «أصبح الصراع أكثر صعوبة، مع تسارع المنافسة بين القوى الكبرى وصعود القوى المتوسطة. تجذب الحروب مثل الحرب في أوكرانيا قوى متعددة، وتضع صراعات -مثل ذلك الذي يحدث في السودان- اللاعبين الإقليميين ذوي المصالح المتنافسة بعضهم ضد بعض، وبعض منهم أكثر استثماراً في الحرب منهم في السلام».

وتشير إرو إلى أن أميركا تفقد مكانتها الأخلاقية العالية، مضيفة: «يلاحظ الفاعلون العالميون أنها تطبق معياراً على تصرفات روسيا في أوكرانيا، ومعياراً آخر مختلفاً على تصرفات إسرائيل في غزة. وقد شهدت الحرب في السودان فظائع مروعة، ولكنها تُعامَل كقضية من الدرجة الثانية».

وتقول إن فوز هاريس «يمثل استمرارية للإدارة الحالية». أما فوز ترمب «فقد يمنح إسرائيل حرية أكبر في غزة وأماكن أخرى، وقد لمح إلى أنه قد يحاول إبرام صفقة مع موسكو بشأن أوكرانيا على حساب كييف».

مخاطر القوى الكبرى

وبحسب تقرير لـ "بي بي سي" فسيتعين على الرئيس الأميركي القادم أن يعمل في عالم يواجه أعظم خطر المواجهة بين القوى الكبرى منذ الحرب الباردة.

ونقل التقرير عن رئيسة مجموعة الأزمات الدولية، لي كومفورت إيرو، قولها:

"تظل الولايات المتحدة هي الفاعل الدولي الأكثر أهمية في مسائل السلام والأمن".

"لكن قدرتها على المساعدة في حل النزاعات أصبحت متضائلة".

"أصبحت الصراعات المميتة أكثر صعوبة، مع تسارع المنافسة بين القوى الكبرى وصعود القوى المتوسطة".

تجتذب الحروب مثل أوكرانيا قوى متعددة، وتضع حرائق مثل السودان اللاعبين الإقليميين ذوي المصالح المتنافسة ضد بعضهم البعض، وبعضهم أكثر استثمارًا في الحرب من السلام.

أميركا تفقد مكانتها الأخلاقية الرفيعة.. "لقد لاحظ الفاعلون العالميون أنها تطبق معياراً واحداً على تصرفات روسيا في أوكرانيا، ومعياراً آخر على تصرفات إسرائيل في غزة لقد شهدت الحرب في السودان فظائع مروعة ولكنها تُعامل كقضية من الدرجة الثانية".

وتقول إن فوز هاريس "يمثل استمرارية للإدارة الحالية" وإذا فاز ترامب، "فربما يمنح إسرائيل حرية أكبر في غزة وأماكن أخرى، وقد ألمح إلى أنه قد يحاول إبرام صفقة مع موسكو بشأن أوكرانيا على حساب كييف".

وفيما يتعلق بالشرق الأوسط، رددت المرشحة الديمقراطية مرارا وتكرارا دعم بايدن القوي لـ "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها". لكنها أكدت أيضا على أن "قتل الفلسطينيين الأبرياء يجب أن يتوقف".

كما أعلن ترامب أن الوقت قد حان "للعودة إلى السلام والتوقف عن قتل الناس" لكن من المعروف أنه قال لنتنياهو "افعل ما يجب عليك فعله"، وفق التقرير.

وفيما يتصل بأوكرانيا، لا يخفي ترامب إعجابه بالزعماء الأقوياء مثل فلاديمير بوتين في روسيا. وقد أوضح أنه يريد إنهاء الحرب في أوكرانيا، ومعها الدعم العسكري والمالي الضخم الذي تقدمه الولايات المتحدة.

شركات ومؤسسات دولية تقود الصراعات

من جانبه، أوضح مستشار المركز العربي للدراسات والبحوث، أبو بكر الديب، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" أنه:

بالنظر إلى شخصية المرشحين المتنافسين في الانتخابات الرئاسية الأميركية كامالا هاريس أو دونالد ترامب فإن الأخير أميل إلى الحسم.

الديمقراطيون لا يحسمون الصراعات بشكل كبير.. هذه النقطة تصب لصالح ترامب.

من خلال إدارة الرئيس الديمقراطي بايدن ونائبته هاريس، وجدنا أن الصراع في منطقة الشرق الأوسط على سبيل المثال يمتد ولم يُحسم، وأنهما في كل مرة يعلنا خلالها الاقتراب من وقف الحرب وأن هناك مفاوضات واتفاقات، لكن لا يتم تنفيذها ما يعني عدم استطاعة الضغط على تل أبيب، إلى أن بدا رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو وكأنه أقوى من رئيس الولايات المتحدة الأميركية في عهد بايدن اتسعت الحرب في أوكرانيا والتي لم تحسم إلى الآن.

اتساع الصراعات ليس في عهد بايدن فقط، إنما أيضاً في عهد الرئيس الديمقراطي الأسبق باراك أوباما، والذي امتدت الصراعات منذ بداية عهده حتى نهايته في منطقة الشرق الأوسط.

ورأى أن الصراعات بالعالم هي أكبر من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، وأنها تُدار بمعرفة المؤسسات الأميركية والشركات الدولية بالولايات المتحدة، موضحًا أن الصراعات في العالم تنقسم إلى قسمين:

صراعات ممتدة بذاتها لا تستطيع الولايات المتحدة التدخل فيها أو ربما تدير اتجاهاتها ومحاورها، لأنها تكون ممتدة لأطراف بعيدة عنها ولا تتحكم فيها، وهي ذاتية الاشتعال وتستمر وتمولها دول أخرى.

صراعات تؤثر فيها الولايات المتحدة إما بإشعالها أو زيادة وتيرتها أو ربما تستطيع وقفها.

وذكر أن هناك شركات لصالحها أن تكون هناك نزاعات في العالم نظرًا لأن بعضها يقوم ببيع السلاح أو المعلومات وأخرى تبيع الأدوية أو المعدات اللوجستية للحرب والصراعات، وشركات تدريب وأمن، مؤكدًا أن جميعها شركات تتحكم في إدارة ونشأة الصراعات واستمرارها، على حد وصفه.

وبيّن الديب في السياق نفسه أن الرئيس الأميركي أياً كان توجهه ربما يسير في هذا الإطار وربما يضع بعض اللمسات في تلك الصراعات.

مهام كبيرة تنتظر الرئيس القادم

وإلى ذلك، أكد الباحث في العلاقات الدولية، محمد ربيع الديهي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن:

الانتخابات الأميركية تحظى باهتمام كبير لدى العالم.. دول العالم تنتظر من يأتي إلى البيت الأبيض، وما إن كان سيعيد تشكيل السياسات الأميركية أم أنه سيستمر على ذات النهج السابق؟

الولايات المتحدة دولة مؤسسات لديها رؤية وخطة يسير عليها أي رئيس قادم، وبالتالي فإن إنهاء الصراع بالعالم بعد حسم الانتخابات هو أمر ربما غير وارد.

فمنذ انهيار الاتحاد السوفيتي وتعزيز الأحادية القطبية، سادت بالعالم الصراعات والحروب، وأصبح أمام تغير جيواستراتيجي وتغير في بنية النظام الدولي بطبيعة الحال فإن التغيرات في بنية النظام الدولي دائماً ما تسبقها صراعات وأزمات وربما يتطور الأمر إلى حروب.

ورأى أن الرئيس الأميركي القادم سيأتي ليحمل مهاماً كبيرة في المرحلة الأولى تحديداً، موضحاً أنه إذا كان يسعى إلى إحلال الاستقرار وعدم الوصول إلى حرب دولية أو عالمية يشهدها العالم فعليه أن يبحث عن أطر جديدة في التفاوض مع الأطراف الدولية والأقطاب الجديدة الناشطة على ساحة المجتمع الدولي، حتى لا يصل هذا الأمر إلى صدام مسلح مثلما حدث في الحرب العالمية الأولى والثانية التي أعادت تشكيل بنية النظام الدولي من جديد.

 

 

 

 

المصدر: سكاي نيوز عربية

التاريخ : 3/11/2024

--------------------------------

المصدر: صحيفة الشرق الأوسط

التاريخ : 30/10/2024

المقالات الأخيرة