توسيع
منظمة حلف شمال الأطلسي (المعروفة باسم الناتو) هي عملية ضم دول أعضاء جدد إلى
الناتو. الناتو هو حلفٌ عسكريٌّ مؤلف من 27 دولة أوروبية ودولتين من أمريكا الشمالية تشكًل معًا نظام أمنٍ
مشتركٍ. تُحدد عملية الانضمام إلى الحلف عن طريق المادة 10 من معاهدة شمال الأطلسي، والتي تسمح فقط بضم «دول أوروبية أخرى»،
ومن خلال اتفاقيات لاحقة. يجب على الدول الراغبة بالانضمام تحقيق شروط معينة وإكمال
عملية متعددة الخطوات تتضمن حوارًا سياسيًا وتكاملًا عسكريًا. يشرف مجلس شمال
الأطلسي على عملية الانضمام، والذي يعد جهاز الناتو الإداري.
أحدث
تحوّل كبير يطرأ على أوروبا منذ الغزو العسكري الروسي لأوكرانيا، حصل ، عندما
قدّمت فنلندا والسويد رسمياً طلب الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو). ومن
المفارقة أن طلب الانضمام جاء نتيجة هجوم روسيا التي قال رئيسها فلاديمير بوتين إن
أحد أسبابه الرئيسية هو تمدد حلف الناتو باتجاه الحدود الروسية.
وعلى
الرغم من أن غزو أوكرانيا قطع الطريق عملياً على مساعي كييف للانضمام إلى الناتو،
إلاّ أنّه في المقابل شكّل دافعاً قوياً لدول أخرى على خطوط المواجهة مع روسيا إلى
التخلي عن عقود من سياسة الحياد التقليدي والسعي للانضمام إلى هذا التحالف العسكري
الغربي. وبالنسبة للسويد وفنلندا، فإن عضويتهما في الناتو ستُشكل ضمانة قوية لهما
ضد أي تهديدات روسية محتملة في المستقبل على غرار ما حدث مع أوكرانيا وستكون إحدى
أبرز النتائج العكسية التي ارتدت على روسيا بعد الحرب.
وسيتعين
على بوتين منذ الآن التعامل مع ناتو أكثر قوة ويعتزم توسيع حدوده المشتركة مع
روسيا ومواجهة أوروبا جديدة تُخطط لزيادة إنفاقها العسكري على جيوشها، وتبحث عن
سبل للتخلص من اعتماد اقتصاداتها على الغاز والنفط الروسيين.
وعند
تشكيل الناتو خمسينيات القرن الماضي، كانت أحد أهدافه الرئيسية مواجهة الاتحاد
السوفياتي الذي -وبعد تفككه- سعى الحلف إلى تأمين الهيكل الأمني الأوروبي الذي ساد
بعد نهاية الحرب الباردة. لكنّ
وعلى
الرغم من العقبة المفاجئة التي أثارتها تركيا بسبب الحرب الروسية على أوكرانيا
أعادت أولويات الناتو إلى مواجهة موسكو. وفي 18 مايو/ ، قدّمت فنلندا والسويد طلب
الانضمام إلى الناتو. خلافاتها مع البلدين بشأن قضايا مرتبطة بمكافحة الإرهاب
والعقوبات، تُجري العواصم الغربية محادثات مكثّفة مع أنقرة لتخطي هذه العقبة، ومن
المُرجح أن تؤتي ثمارها. وعلى عكس أوكرانيا وجورجيا اللتين وُعدتا منذ سنوات
بالانضمام إلى الناتو، فإن فنلندا والسويد لم تُخططا في السابق للانضمام إلى الحلف
وهما عضوان في الاتحاد الأوروبي ولديهما برامج تعاون عسكري مشتركة مع الناتو. ومع
ذلك، فإن مثل هذا الانضمام سيُحدث تحولاّ إضافياً في خارطة الصراع الجيوسياسي بين
روسيا والغرب.
لقد
ارتكب الناتو أخطاء كبيرة مرّتين، الأولى عندما فتح شهيته بإفراط على التوسع دون مراعاة الحساسية الروسية وظناً منه
أن موسكو أضعف من أن تُقاوم مثل هذا التوسّع، والثاني عندما قدّم وعوداً لجورجيا
وأوكرانيا بالانضمام وكان عاجزاً عن تنفيذه
علاوة
على أن توسيع الناتو سيؤمن حماية للأعضاء الجدد من أي تهديدات روسية محتملة في
المستقبل، فإنه سيجلب قدرات سياسية وعسكرية واقتصادية إضافية للناتو وسيزيد من
قدراته العسكرية والجغرافية للدفاع عن دول البلطيق التي لطالما كانت بمثابة خاصرة
ضعيفة للناتو. كما سيجعل الحلف لاعباً رئيسياً في الصراع مع روسيا على النفوذ
وموارد الطاقة وخطوط النقل البديلة في منطقة القطب الشمالي. كل هذه المزايا تبدو
مغرية بشدة للحلف والدول الجديدة الساعية للالتحاق به.
مع
ذلك، فإن توسيع الناتو ينطوي على مخاطر. في الغرب، عادة ما كان يروج لتوسع الناتو
على أنه يُعزز الأمن والاستقرار العالميين. أما الآن، فيُنظر إليه على أنه وسيلة
لا بُد منها لردع طموحات بوتين التوسعية وجعله أكثر واقعية في نظرته لروسيا
وعلاقتها بمحيطها الغربي. وفي ظل أن الحرب الدائرة في أوكرانيا مضى عليها عدّة
أشهر، ولا يبدو أن نهايتها قريبة، فإنه سيكون من الصعب التنبؤ بالنتائج
الجيوسياسية الحاسمة لها وما إذا كانت ستجعل روسيا ضعيفة حقاً وتفتقر إلى الموارد
اللازمة لتهديد جيرانها، أم أنها ستزيد من جرأتها وعدوانيتها تجاه دول الناتو.
ومنذ
انهيار الاتحاد السوفياتي كان الهاجس الروسي من توسع الناتو عاملاً مفسداً
للعلاقات الروسية الغربية على الدوام، ويُمكن ملاحظة ذلك في تراجع هذه العلاقات
تدريجياً خلال موجات التوسع التي حدثت مع نهاية القرن الماضي. عام 1999 انضمت المجر وبولندا والتشيك إلى الحلف، ثم تبعتها عام 2004 بلغاريا ورومانيا وسلوفاكيا وسلوفينيا ولاتفيا وليتوانيا
وإستونيا، وكذلك ألبانيا وكرواتيا عام 2009، ثم الجبل الأسود عام 2017 وبعده مقدونيا الشمالية عام 2020. لكن نقطة التحول الفارقة في العلاقات برزت عام 2008 عندما وعد الحلف في قمة بوخارست بضم جورجيا وأوكرانيا إليه.
وبعد
أشهر قليلة من ذلك الوعد، ردّت روسيا بغزو جورجيا وفصل إقليم أوسيتيا الجنوبية
وأبخازيا عنها ثم ضمت شبه جزيرة القرم الأوكرانية عام 2014، وحالياً تسعى لفصل إقليم دونباس. ولا يوجد ما يُبرر غزو دول
مُعترف بحدودها في الأمم المتحدة وتغيير خارطتها الجغرافية بالقوة، لكنّ ينبغي عدم
تجاهل الدور الذي لعبه توسع الناتو في تشكيل النزعة العدائية لبوتين.
لقد
ارتكب الناتو أخطاء كبيرة مرّتين، الأولى عندما فتح شهيته بإفراط على التوسع دون
مراعاة الحساسية الروسية وظناً منه أن موسكو أضعف من أن تُقاوم مثل هذا التوسّع،
والثاني عندما قدّم وعوداً لجورجيا وأوكرانيا بالانضمام وكان عاجزاً عن تنفيذه.
لقد جعل كييف وتبليسي أهدافاً مشروعة لروسيا دون منحهما الحماية. إن نظرة سريعة
على تاريخ العلاقات الروسية الغربية في العقدين الأخيرين تشير بوضوح إلى أن
التوسّع الذي أحدثه حلف الناتو شكّل ضغطاً إضافياً على موسكو، لكنه جعلها تشعر
بأنها محاصرة من قبل الغرب. قد يُساهم أي
توسع جديد للحلف بزيادة الضغط على بوتين، لكنّه من غير المرجح أن يُقلل النزعة
العدائية له تجاه هذا التمدد. وفي الواقع، لم يكن بوتين الزعيم الروسي الوحيد الذي
عارض بشدة توسع الحلف. لقد سبقه في ذلك الرئيس بوريس يلتسين في التسعينيات عندما
تقدّمت جمهوريات سوفياتية سابقة بطلب الانضمام إلى الحلف رغم التعهّد الذي أعطاه جيمس
بيكر، وزير الخارجية الأمريكي آنذاك، للاتحاد السوفياتي بعدم توسيع حدود حلف شمال
الأطلسي.
بعد
الغزو الروسي لأوكرانيا، جادل كثير من المفكرين الغربيين بشأن ما إذا كان توسع
الناتو حكيماً. ويختلف تقييم هذا التوسع باختلاف المنظور الذي يُقرأ من خلاله.
فإذا كان هدفه تعزيز الهيكل الأمني الأوروبي، فإن نتيجة 4 عقود من التمدد الأطلسي
لم تضمن استمرارية هذا الهيكل. وإذا كانت غايته إبقاء روسيا ضعيفة وعاجزة عن تشكيل
تهديد للقارة الأوروبية، فإن هذه الغاية تحققت خلال تلك العقود، غير أنّها لم
تستطع دفع بوتين إلى قطع صلات روسيا بماضيها السوفياتي.
لقد
قرأ الغربيون غزو أوكرانيا على أنه انحراف فكري لبوتين، ويبدو ذلك صحيحاً بالنّظر
إلى أن الأخير استدعى التاريخ على طريقته الخاصة لشرعنه الغزو. لكنّ ما لم يُقر به
الغرب أن سياسات الناتو التوسعية ساهمت في تشكيل هذا الانحراف. وكان للتكامل
الاقتصادي الذي حققته أوروبا وروسيا خلال العقدين الماضيين دور مهم في الحفاظ على
الهيكل الأمني الأوروبي بصورة رئيسية.
لكنّ
مشاريع التوسع الأطلسية قللت من فوائد هذا التكامل بالنسبة لروسيا. ويعزو كثير من
الغربيين انحراف بوتين إلى العزلة التي فرضها على نفسه العامين الأخيرين بسبب وباء
كورونا. لكنه تفسير ساذج للغاية.
وعلى
عكس الظروف السابقة التي تمت بها عمليات توسيع الناتو، وصاحبها استقرار نسبي في
العلاقات الروسية الغربية، فإن خطط التوسع الجديدة تأتي في وقت انهارت العلاقات
إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق منذ نهاية الحرب الباردة، مما يزيد من حجم دوامة
الشكوك المتبادلة بين الطرفين.
ورغم
أن الحلف يستند في حق التوسع إلى قانون هلسنكي النهائي لعام 1975، الذي وقعه الاتحاد السوفياتي، والذي يتيح للدول حرية اختيار
حلفائها، إلاّ أن هذا الحق يتجاهل الظروف الواقعية والمنطقية التي تحكم العلاقة
بين موسكو والناتو. وفنلندا والسويد عضوان على المدى الطويل في الشراكة من أجل
السلام. لكنّهما قررا نهاية المطاف أن عضوية الناتو وحدها يُمكن أن تمنحهما السلام
الحقيقي.
ويبدو
استنتاجاً محقاً بالنسبة لكلا البلدين، لكنّه من غير المؤكّد ما إذا كان توسع
الناتو اليوم سيجلب نهاية المطاف سلاماً طويل الأمد لأوروبا. وفي الوقت الراهن،
سيكون من الصعب التفكير في إمكانية العودة إلى إستراتيجية التكامل الاقتصادي بين
روسيا والغرب والتنسيق المشترك بين الأخيرة والناتو.
لكنّ
تجنّب حرب باردة جديدة يستحق تركيز الجهود على إيجاد تسوية لإنهاء الحرب المأساوية
على أوكرانيا والتفكير في سبل تقديم حوافز لروسيا لإعادتها إلى الواقعية السياسية.
إعادة
توحيد ألمانيا
جاء
أول توسع بعد الحرب الباردة بإعادة توحيد ألمانيا في 5 أكتوبر عام 1990، عندما أصبحت ألمانيا الشرقية سابقًا جزءًا من جمهورية ألمانيا
الاتحادية والحلف. اتُفق على هذا من خلال اتفاقية أربعة زائد اثنان في مطلع العام.
ومن أجل تأمين الموافقة السوفيتية على بقاء ألمانيا الموحدة في الناتو، اتُفق على
عدم تمركز الجنود الأجانب والأسلحة النووية في ألمانيا الشرقية سابقًا، وبرز موضوع
توسع الناتو أكثر نحو الشرق.
لم
يُذكر توسيع الناتو في اتفاقيات توحيد ألمانيا في سبتمبر-أكتوبر عام 1990، ولذلك لا يوجد تعهدٌ رسميٌّ بشأن عدم التوسع. تعد مسألة فيما إذا
كان الغرب ملتزمًا بطريقة غير رسمية بعدم توسع الناتو نحو الشرق أم لم يكن محط
نزاع بين المؤرخين وعلماء العلاقات الدولية. يرفض مؤرّخ جامعة هارفرد مارك كرامر
وجود اتفاقية غير رسمية، بينما يناقش عالم السياسة في جامعة تكساس إيه آند إم
جوشوا آر إتزكويتز وجود اتفاقية غير رسمية. في ديسمبر عام 2017، ناقشت سفيتلانا سافرانسكايا وتوم بلانتون من أرشيف الأمن القومي
في جامعة جورج واشنطن بأن المستندات السرية أظهرت مؤخرًا وجود اتفاقيات غير رسمية.
قال
جاك ماتلوك، السفير الأمريكي لدى الاتحاد السوفيتي في آخر عهده، إن الغرب قدم
«التزامًا واضحًا» بعدم التوسع، وتشير الوثائق السرية إلى تقديم دبلوماسيين أمثال
هانز ديتريش غينشر وجيمس بيكر انطباعًا شفهيًا للمفاوضين السوفيتيين بأن عضوية
الناتو كانت خارج الطاولة لبعض الدول أمثال تشيكوسلوفاكيا والمجر وبولندا. كتب
غورباتشوف في مذكراته في عام 1966، أنه «خلال مفاوضات توحيد ألمانيا، أعطى
الغرب تأكيدًا بعدم توسيع الناتو منطقة عملياته باتجاه الشرق»، أعاد ذكر هذا الرأي
في مقابلة له عام 2008. وعلى أي حال، قال غورباتشوف في عام 2014 «لم يُناقش موضوع توسيع الناتو على الإطلاق] في عام 1990[، ولم يُفتح الموضوع في تلك السنة، أقول هذا وأتحمل كامل
مسؤوليته. لم يفتح القادة الغربيون هذا الموضوع أيضًا». كان إدوارد شيفرنادزة،
وزير خارجية الاتحاد السوفيتي ما بين عامي 1985 1991، يؤكد دائمًا على أنه «لم يُطرح توسيع الناتو ما وراء حدود
ألمانيا للتفاوض أبدًا». تبعًا لروبرت زوليك، موظف وزارة الخارجية الأميركية
المشارك في عملية التفاوض أربعة زائد اثنان، لم يُبرم التزامٌ رسميٌّ بخصوص
التوسيع.
مجموعة فيشغراد
في
شهر فبراير من عام 1991، شكلت بولندا والمجر وتشيكوسلوفاكيا مجموعة
فيشغراد للدفع من أجل تكامل أوروبي تحت الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي،
وأيضًا إجراء إصلاحات عسكرية تتماشى مع معايير الأطلسي. كان رد الفعل الداخلي لحلف
شمال الأطلسي على هذه الدول السابقة في حلف وارسو سلبيًا في البداية، إلا أن
الأعضاء وافقوا مع انعقاد قمة روما في عام 1991 على مجموعة من الأهداف قد تفضي إلى الانضمام، كلبرلة السوق ولبرلة
الديمقراطية وأنه ينبغي على حلف شمال الأطلسي أن يكون شريكًا في هذه الجهود. بدأ
الجدل داخل الحكومة الأمريكية حول إذا ما كان توسع حلف شمال الأطلسي قابلًا
للتنفيذ أو مرغوبًا خلال رئاسة جورج إتش دبليو بوش. وبحلول أواسط العام 1992، أجمعت الإدارة على أن توسع حلف شمال الأطلسي كان خطوة واقعيةٍ
سياسية حكيمة لتقوية الهيمنة الأمريكية الأوروبية. في غياب توسع حلف شمال الأطلسي،
شعر مسؤولو إدارة بوش بالقلق من أن يملأ الاتحاد الأوروبي الفراغ الأمني في أوروبا
الوسطى، وأن يتحدى بذلك نفوذ ما بعد الحرب الباردة الذي نالته الولايات المتحدة.
كان هناك جدل إضافي خلال رئاسة بيل كلينتون بين عرض سريع بعضوية كاملة لعدة دول
منتقاة وبين عضوية أبطأ وأكثر محدودية لمجموعة من الدول على امتداد فترة زمنية
أطول. ساعد نصر الحزب الجمهوري، الذي كان يؤيد توسعًا عدوانيًا، في انتخابات مجلس
الشيوخ لعام 1994 على حرف مسار سياسة الولايات المتحدة باتجاه
توسع بعضوية كاملة أكثر شمولًا، الذي سعت وراءه الولايات المتحدة في نهاية المطاف
في السنوات التالية. في عام 1996، طالب كلينتون دول حلف وارسو السابق
وجمهوريات ما بعد الاتحاد السوفييتي بالانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، وجعل من توسع
حلف الأطلسي جزءًا من سياسته الخارجية.
في
تلك السنة، ألمح قادة سوفييت مثل وزير الخارجية آندريه كوزيريف إلى معارضة بلادهم
توسع حلف شمال الأطلسي. وفي حين وقع الرئيس الروسي بوريس يلتسن اتفاقية بالفعل مع
حلف شمال الأطلسي في شهر مايو من عام 1997، تضمنت الاتفاقية نصًا يشير إلى العضوية
الجديدة، ووصف يلتسن بوضوح توسع حلف شمال الأطلسي بأنه «غير مقبول» وأنه يشكل
تهديدًا للأمن الروسي في خطته للأمن القومي في شهر ديسمبر من عام 1997. كانت الأعمال العسكرية الروسية، بما في ذلك حرب الشيشان الأولى،
من بين العوامل المحفزة لبلدان شرق أوروبا وأوروبا الوسطى، ولا سيما تلك التي تملك
ذاكرة لأعمال عسكرية سوفييتية مماثلة، لكي تدفع باتجاه طلب الانضمام إلى حلف شمال
الأطلسي وضمان أمنها القومي على المدى البعيد. خسرت الأحزاب السياسية التي أبدت
ترددًا حول عضوية حلف شمال الأطلسي في الانتخابات، من بينها الحزب الاشتراكي
البلغاري في عام 1997، وحركة حزب الشعب من أجل سلوفاكيا ديمقراطية
في عام 1998. وتأكدت مساعي المجر في الانضمام من خلال
استفتاء أجري في شهر نوفمبر من عام 1997 ذهبت أصوات المقترعين فيه لمصلحة العضوية في
حلف الأطلسي بنسبة ٪85.3. خلال هذه الفترة، أنشئت منتديات أكبر للتعاون
الإقليمي بين حلف شمال الأطلسي وجيرانه الشرقيين، من بينها مجلس التعاون الأوروبي الأطلسي
(سمي لاحقًا مجلس الشراكة الأوروبية الأطلسية) والشراكة من أجل السلام.
وفي
حين دعي باقي أعضاء فيشغراد إلى الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي في قمة مدريد عام 1997، استبعدت سلوفاكيا استنادًا إلى ما اعتبره العديد من الأعضاء
أفعالًا غير ديمقراطية من قبل رئيس الوزراء القومي فلاديمير ميسيار. كانت هناك خطة
لدعوة كل من رومانيا وسلوفينيا في عام 1997، ونالت كل من الدولتين دعم عضو بارز في حلف
شمال الأطلسي، فرنسا وإيطاليا على التوالي، إلا أنه لم يكن ثمة إجماع على هذا
التوسع بين الأعضاء، ولا ضمن الحكومات الفردية، بما في ذلك مجلس الشيوخ الأمريكي.
في رسالة مفتوحة إلى الرئيس الأمريكي بيل كلينتون، أعرب أكثر من 40 خبيرًا في السياسة الخارجية، من بينهم بيل برادلي وسام نان وجاري
هارت وبول نيتزي وروبيرت مكنامارا، عن مخاوفهم حول توسع حلف شمال الأطلسي بوصفه
باهظ التكلفة وغير ضروري في الآن نفسه نظرًا إلى انعدام تهديد خارجي من روسيا في
تلك الفترة. انضمت المجر وبولندا وجمهورية التشيك رسميًا إلى حلف شمال الأطلسي في
مارس عام 1999.
مجموعة
فيلنيوس
أُلحقت
المجر وبولندا وجمهورية التشيك بحلف الناتو رسميًا في قمة واشنطن عام 1999، وأعلن الناتو حينها إصدار دلائل إرشادية للحصول على العضوية،
وتخصيص خطط عمل العضوية لكلّ من ألبانيا وبلغاريا وإستونيا ولاتفيا وليتوانيا
ومقدونيا الشمالية ورومانيا وسلوفاكيا وسلوفينيا. التحقت كرواتيا بتلك الدول في
مايو عام 2000، فتأسست حينها مجموعة فيلنيوس بهدف التعاون
والضغط على الحلف للحصول على العضوية العادية، وبحلول موعد قمة براغ عام 2002، دُعيت 7 دول لتقديم طلب العضوية، وحدث ذلك في قمة
إسطنبول عام 2004. عقدت سلوفينيا استفتاءً بخصوص عضوية الناتو
في العام السابق للقمة، وكانت نسبة المؤيدين 66%.
استاءت
روسيا بسبب إضافة دول البلطيق الثلاث إلى حلف الناتو، وهي أول دولٍ سوفيتية سابقة
تنضمّ إلى الحلف. كانت القوات الروسية متمركزة في دول البلطيق منذ أواخر عام 1995،
لكن التكامل الأوروبي والعضوية في حلف الناتو من الأهداف المغرية جدًا لدول
البلطيق في تلك الفترة. أظهرت الاستثمارات العاجلة في المجال العسكري لكلّ من تلك
الدول جديّتها في رغبة الانضمام إلى الناتو، وشاركت أيضًا في العمليات العسكرية
التي قادها الناتو بعد أحداث 1 سبتمبر، خصوصًا مشاركة إستونيا في العمليات
ضمن أفغانستان. وهكذا، حازت الدول الثلاث على دعم جوهري من شخصيات مؤثرة، مثل
السيناتور الأمريكي جون ماكين والرئيس الفرنسي جاك شيراك والمستشار الألماني
غيرهارد شرودر. جاء في إحدى الدراسات التي نُشرت في دورية الدراسات الأمنية عام 2006 فكرة مفادها أن توسّع الناتو في عامي 1999 2004 ساهم في إرساء الديمقراطية وتمكينها في أوروبا الوسطى والشرقية.
الميثاق
الأدرياتيكي
بدأت كرواتيا خطة عمل العضوية في قمة عام 2002، لكنها لم تُشمل في عمليات التوسع عام 2004. لذا انضمت كرواتيا إلى ألبانيا ومقدونيا في مايو عام2003لتأسيس رابطة عُرفت باسم الميثاق الأدرياتيكي. أشعلت احتمال انضمام كرواتيا إلى حلف شمال الأطلسي جدلًا وطنيًا حول الحاجة إلى إجراء استفتاء شعبي بخصوص الحصول على العضوية قبل الانضمام إلى المنظمة. وافق رئيس الوزراء الكرواتي إيفو ساندر في يناير عام 2008 على عدم اقتراح الاستفتاء رسميًا، وذلك بعد تأسيسه حكومة تحالف مع حزب الفلاحين الكرواتي والحزب الكرواتي الاجتماعي الليبرالي
المراجع :
محمود علوش، 23/5/2022، توسيع الناتو
قد لا يجلب سلاما طويل الأمد لأوروبا، الجزيرة .
ب، ن , 2015-10-23, توسع الناتو، ويكبيديا .