شهدت
منطقة الشرق الأوسط مرحلة من الفوضى والتغييرات السريعة غير المتوقعة أفرزت ظواهر
مستجدة منها طول أمد النزاعات المسلحة التي تطال المدنيين و معها تدخلات أجنبية
متعددة، منها بروز دور متصاعد للمنظمات غير الحكومية التي تدير وتتحكم في مناطق
جغرافية معينة وتتحصل على الدعم والسلاح من الخارج وتهدد كيان وسيادة الدولة،
ومنها تنامي دور جماعات إثنية وقبلية وسياسية تتحدى النظم القائمة والنظام الدولي
بل وتطالب بالانفصال، وبالتوازي أخذ التدخل الدولي في المنطقة أشكالا جديدة تطورت
من الاستعمار المباشر إلى استغلال موارد المنطقة، إلى تبني أطروحات سياسية مغرضة
والأخطر أنه في مرحلة مبكرة من النزاعات تتدخل قوى إقليمية ودولية تدخلا مباشرًا
سياسيا وعسكريا، وفي خضم الأحداث يقتصر دور الأمم المتحدة على العمل الرقابي والإنساني
وبعثات الوساطة وحفظ السلام وهو دور مهم بلا شك. ولكنه لا ينهي الصراعات ولا يُقدم
الحلول.
تعد
منظمة الأمم المتحدة وأجهزتها المختلفة أحد أهم المؤسسات الدولية التي تعزز من
مسار تنظيم العلاقات بين وحدات النظام الدولي، خاصة وأنها أكبر مظلة دولية من حيث
عدد الأعضاء، كونها تضم 193 دولة. وتعمل الأمم المتحدة على الحد من الصرعات
الدولية التي تؤثر على السلام والاستقرار الدولي وصيانة السلم والأمن الدوليين،
وذلك في ضوء ما تتمتع به منظمة الأمم المتحدة من تشعب لأجهزتها، مثل الجمعية
العامة ومجلس الأمن ومحكمة العدل الدولية والمجلس الاقتصادي والاجتماعي، حيث إنها
تقوم بأدوار متعددة في مجال العلاقات الدولية والسياسات العالمية والأبعاد الأمنية
والاقتصادية البينية لكافة الدول.
وتعمل
الأمم المتحدة انطلاقا من كونها مظلة عالمية، على تحقيق توازن في العلاقات بين
الدول وفقاً للمتغيرات الدولية وبإعتبارها مؤسسة عالمية رسمية ونافذة لحل الصراعات
المختلفة ومواجهة التحديات السياسية والأمنية وكذلك الاقتصادية؛ وهي تعمل على حل
الصراعات المختلفة تطبيقا لمبدأ الأمن والسلم الدوليين والاستقرار العالمي، فقد
جاء ميثاقها التأسيسي عام 1945 ليضع قواعد عامة في التعاطي مع القضايا المختلفة
دون تمييز انطلاقاً من مبدأ سيادة الدول.
بيد
أن المنظمة تراجعت أو تخلت بصورة كبيرة عن تلك المبادئ العامة والحاكمة للعلاقات
الدولية، وبانت هناك حالة من التضارب والازدواجية في تفاعلات المنظمة المختلفة
تجاه قضايا حفظ السلم والأمن الدوليين ومكافحة الإرهاب وبين عدم التدخل في شؤون
الدول الداخلية والمحافظة على استقرارها وقد أكدت الأمم المتحدة في ميثاقها على
حماية تلك المبادئ وهو ما آل إلى التضارب والازدواجية على أرض الواقع، وتجلى ذلك
فيما يتعلق بقضايا الشرق الأوسط وعلى رأسها القضية الفلسطينية، في مقابل السياسات
الأممية الغامضة تجاه الحرب الحالية في أوكرانيا.
الميزان
العسكري وامتلاك القوة:
منذ
ان تأسست منظمة الأمم المتحدة لم يتوفر لها قوة حقيقية تؤهلها للتأثير على ما يجري
في العالم من أحداث وظلت إرادتها مرهونة بما تريده الدول الكبرى وما يفرضه الطرف
الأقوى في تلك الدول وبالرغم من العديد من الوسائل التي اعتمدتها المنظمة في
مواجهة الصراعات وحفظ السلم، إلا أنها لم تنجح في حفظ الأمن الدولي في مواقف
كثيرة. ولنضرب أمثلة تتعلق بالشرق الأوسط أبرزها ما نتج عن العدوان الصهيوني على
الأراضي العربية في 5 يونيو 1967م. وأصدر مجلس الأمن الدولي القرار رقم 242 في
نوفمبر 1967م، ويقضي بانسحاب القوات الصهيونية من الأراضي التي احتلت في النزاع
الأخير وإضافة إلى قضية الانسحاب فقد نص القرار على إنهاء حالة الحرب والاعتراف
ضمنا بالكيان الصهيوني دون ربط ذلك بحل
قضية فلسطين التي اعتبرها القرار مشكلة لاجئين ويشكل هذا القرار منذ صدوره قلب كل
المفاوضات والمساعي الدولية العربية لإيجاد حل للصراع العربي الصهيوني نص القرار
أيضا على احترام سيادة دول المنطقة على أراضيها، وحرية الملاحة في الممرات الدولية
وحل مشكلة اللاجئين وإنشاء مناطق منزوعة السلاح، وإقرار سيادي سلام عادل ودائم من
الشرق الأوسط.
وبرغم
العديد من المفاوضات والاتفاقات والمحادثات والمبادرات فإن الواقع يقول إن الكيان
الصهيوني تنشي المستوطنات وأمريكا تعترف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني، وهناك
تعريفات جديدة للاجئين وحديث عن ما يسمى بصفقة القرن والجولان. تضم إلى الكيان
الصهيوني ومع هذا لم تفلح الأمم المتحدة في تحقيق سلام عادل ودائم للفلسطينيين أو
السوريين.
الأمم
المتحدة ونزاعات الشرق الأوسط:
هناك
أربعة عوامل على وجه الخصوص عملت على تصعيد واستدامة الصراعات أولا، كان توازن
القوى الإقليمي غير مؤكد إلى حد كبير بعد انتفاضات عام 2011م، وكذلك في أعقاب
الغزو الأمريكي للعراق عام 2003م ثانيا، أصبحت النزاعات. المحلية هي المرحلة التي
تتنافس فيها القوى الإقليمية الحالية في صراعات أكبر وأكثر منها. ثالثا، ارتفعت
واردات الأسلحة إلى المنطقة حيث تتنافس بنشاط مع الولايات المتحدة وحلفائها
الأوروبيين ورابعا، يعاني الشرق الأوسط من ندرة ملحوظة في معايير الحرب واليات حل
النزاعات بالمقارنة مع المناطق الأخرى في العالم والنتيجة هي مجموعة من التدخلات
العسكرية المعقدة في جميع أنحاء المنطقة.
تسلط
حرب الخليج الأولى الضوء على عدم وجود شعور داخل المنطقة بتوازن القوى وعدم قدرة
دول الشرق الأوسط ومنظماتها على تخفيف سلوك أحد أعضائها لضمان السلام الإقليمي
لجأت دول الشرق الأوسط إلى الولايات المتحدة التي عاودت الظهور، والتي حلت النزاع
من خلال تحمل صادر عن الأمم المتحدة الحرب الاستباقية التي تقودها الولايات
المتحدة ضد العراق في عام 2003م. هي أكثر إثارة للجدل لأنها أظهرت ضعف الشرق
الأوسط أمام التدخل الخارجي، وكذلك كيف يمكن للقوى الخارجة عن المنطقة استخدام
القوة لإعادة هندسة المنطقة عن طريق فرض تغيير النظام بالقوة.
على
الرغم من أن المجتمعات الدولية لا تلغي الحروب في حد ذاتها. إلا أنها تساعد في
ترويض الصراع بين الأطراف هذا الوضع الشاذ يدعو إلى التساؤل عما إذا كان الشرق
الأوسط يضم مجتمعا دوليا، وإلى أي مدى يحد هذا المجتمع من استخدام القوة، ويسهل حل
النزاع.
يتميز
الشرق الأوسط بصفات مميزة بما فيه الكفاية للتأهل لمجتمع إقليمي للدول من خلال
نظامه شبه الإقليمي الفريد ومع ذلك لا يزال الوضع غير مستقر حيث لم يتم القضاء على
احتمال الحرب علاوة على ذلك شهد الشرق الأوسط تغيرات سياسية كبيرة من الربيع
العربي إلى اعتداد الصراع بين السنة والشيعة وصعود ما يسمى بالدولة الإسلامية،
وتفتيت دول مهمة مثل العراق وسوريا، ونمو وتنوع الأنشطة الاقتصادية غير المشروعة
في المنطقة.
واجهت
الأمم المتحدة النزاعات المتعددة في المنطقة عبر قرارات من مجلس الأمن والجمعية
العامة، ومبعوثين الأمين العام، بالإضافة لعمليات الإعالة وغيرها من العناصر التي
يتم اللجوء إليها في هذه الحالات.
ان
صياغة ميثاق الأمم المتحدة جعلت من للدول الخمس الكبرى الهيمنة الكاملة على
القرارات المصيرية ولم يشهد تاريخها أي منع للحرب قبل نشوبها، وحتى بعد أن تضع
الحرب أوزارها لا تحد أي عقوبة أو حتى أي لوم على المتسبب وأمثلة التاريخ كثيرة
منها اعتراف الولايات المتحدة بتلفيق ادعاءات عن امتلاك العراق قدرات نووية، وجاء
التكذيب من داخل الولايات المتحدة نفسها بعد الكوارث الإنسانية المفجعة التي لحقت
بالعراق.
ملاحظات
ختامية:
مع
زيادة ترابط الشعوب والدول هناك حاجة إلى إدارة دولية أكثر فعالية تتعامل مع قضايا
عالمية مثل الإرهاب وحركات اللاجئين وتغير المناخ والأزمات الاقتصادية ويواجه
الشرق الأوسط العديد من القضايا الإضافية الأخرى، تتعرض الأمم المتحدة لانتقادات
مستمرة قد تكون صحيحة وضرورية في بعض الأحيان، ولكن من الإنصاف الإشارة إلى
المساهمات التي قدمتها الأمم المتحدة من الشرق الأوسط، هناك الكثير مما يمكن أن تقوم به الأمم المتحدة
من أجل الاستقرار والأمن الإقليمي في الشرق الأوسط تعمل الأمم المتحدة في ظل
معطيات صعبة في قضايا شديدة التعقيد والتي غالبا ما تنطوي على صراعات على السلطة
بين دول خارجية لها مصالح جيوسياسية في المنطقة.
ليست
الأمم المتحدة نظاماً مثالياً يمثل سلطة عالمية حاكمة كمؤسسة على الأمم المتحدة
تفعل ما في وسعها بما لديها. ولا ينبغي أبدا التغافل عن ما تقدمه سواء من خلال توفير
قوات حفظ السلام أو تقديم مساعدات تنموية أو إنسانية. تعمل الأمم المتحدة على
حماية أرواح ملايين الأشخاص من جميع أنحاء الشرق الأوسط في بعض الأحيان يكون ذلك
في شكل قوات حفظ سلام، وقد يكون أيضا في شكل توفير المعدات الطبية الضرورية بشدة
أو توفير التدريب للسكان المحليين في مناطق النزاع لزيادة العروبة أو توفير
التعليم للأطفال الذين فقدوا من يرعاهم بسبب النزاع أن يكون للأمم المتحدة قدرة ما
أفضل من أن لا يكون لها قدرة على الإطلاق وهكذا، فإن الأمم المتحدة منظمة ثنائية
القطبية تكون أحبال فعاله وفي أحيان أخرى غير فعاله لكن اللوم الأساسي يقع على
عاتق الدول الأعضاء نفسها الأمم التي هي أبعد ما يكون عن أن تبدو متحدة.
هناك
من يرى أن السبب الرئيسي في أن الأمم المتحدة تبدو عقيمة أن الدول الأعضاء ليسوا
متعاونين على الإطلاق مع بعضهم البعض، والنتيجة الحتمية ستكون الجمود والعجز وقد
كان منح حق النقض "الفيتو" للدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن وهي
الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا وبريطانيا والصين بمثابة وصفة للجمود بشكل واضح
لكن للأسف كان هذا هو الثمن الذي كان من الضروري دفعه لضمان مشاركة القوى الكبرى
بعد فترة الحرب العالمية الثانية ولمنح الأمم المتحدة فرصة النجاح فيما فشلت فيه
عصبة الأمم استخدمت الولايات المتحدة الفيتو 14 مرة منذ انتهاء الحرب الباردة،
بينما لجأت إليه روسيا 11 مرة واستخدمت كلتا الدولتين الفيتو لحماية حلفائهما، الكيان
الصهيوني بالنسبة للولايات المتحدة. وسوريا مؤخرا بالنسبة للروس كما أن العديد من
مشاريع القرار لا تصل حتى إلى مرحلة التصويت بسبب التهديد باستخدام الفيتو.
ومن
المهم التفريق بين وكالات الأمم المتحدة مثل مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية الذي
يقدم المساعدات ويخفف من المعاناة، وبين منظمات الأمم المتحدة مثل مجلس الأمن الذي
يعرقل باستمرار الجهود جراء الانقسامات الدبلوماسية، الولايات المتحدة المتأثرة
بحروب طويلة خاضتها في أفغانستان والعراق أصبحت مترددة في لعب دور الشرطي العالمي
وكذلك في استعراض قوتها العسكرية.
في أبريل 2017م تحدث المنسق الخاص للأمم المتحدة لعبة السلام في الشرق الأوسط نيكولاي ملادينوف أمام مجلس الأمن بشأن الحالة الهشة في الشرق الأوسط قائلا إن الشرق الأوسط تجتاحه عاصفة تهدد السلام والأمن الدوليين. وأشار إلى أن عدم الاستقرار قد مهد الطريق للتدخل الأجنبي والتلاعب الذي يمكن أن يؤدي في النهاية إلى مزيد من عدم الاستقرار وتحدث بشكل صريح عن أن المواقف التي تحدث في الشرق الأوسط تنشئ طوائف من المجتمعات المستبعدة أو المهمشة وهي بيئة مرشحة بقوة للتطرف والعنف.
المراجع
_
عبد المنعم علي، 2023-02-10، ازدواجية المعايير لدى منظمة الأمم المتحدة حيال
قضايا الشرق الأوسط وأوروبا: دراسة حالة الصراع الصهيوني - الفلسطيني والصراع
الروسي- الأوكراني"، مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية.
_
لواء محمد علام سيد، 8 أغسطس 2019، الأمم المتحدة وقضايا الشرق الأوسط: حضور القوة
وغياب الدبلوماسية، مجلة آراء حول الخليج