تُعدّ الأزمة الليبية، من أكثر الأزمات تعقيدًا، في الوقت الحاضر، نظرًا لما تثيره من تجاذبات وصراعات ومنازعات إقليمية ودولية مختلفة، يمكن أن تتسبب في المساس بالسلم والأمن الدوليين، ونظرًا للدور الرئيس لمجلس الأمن، الموكل له بموجب ميثاق منظمة الأمم المتحدة، والمتمثل في المحافظة على السلم والأمن الدوليين، فإن البحث، يتناول الدور الذي قام به مجلس الأمن، من أجل وضع حلول للأزمة الليبية، وذلك منذ عام 2011م إلى الوقت الحاضر.
قرارات
مجلس الأمن بخصوص الأزمة الليبية:
تختلف
القرارات الصادرة عن المنظمات الدولية، بين قرارات ملزمة، وقرارات غير ملزمة،
وأغلب المنظمات الدولية تصدر قرارات غير ملزمة لأعضائها، احترامًا لمبدأ السيادة
للدول الأعضاء في المنظمة، ويعتبر مبدأ احترام السيادة، من المبادئ الأساسية للأمم
المتحدة المنصوص عليها في ميثاق منظمة الأمم المتحدة لعام 1945م، حيث نصت المادة
(2) فقرة (1) ” تقوم الهيئة على مبدأ المساواة في السيادة بين جميع أعضائها، وهناك
ثلاثة منظمات تصدر قرارات ملزمة للدول الأعضاء، وهي الاتحاد الأوروبي، ومنظمة
التعاون والتنمية الاقتصادية، ومجلس الأمن.
وقام مجلس الأمن الدولي، ومنذ اندلاع الأزمة الليبية عام 2011م بإصدار العديد من القرارات الملزمة، رغبةً منه في وضع حلول للأزمة، وفيما يأتي قراءة لهذه القرارات، لكي نصل في النهاية للإجابة عن الإشكالية الرئيسية للبحث وهي ( ما مدى مساهمة مجلس الأمن في حل الأزمة الليبية؟)
أولاً:
قرارات مجلس الأمن بخصوص ليبيا عام2011م:
قام
مجلس الأمن بإصدار القرار رقم (1970) في شهر فبراير عام 2011م، وأعرب فيه عن قلقه
البالغ إزاء الوضع في ليبيا، وأدان العنف واستخدام القوة ضد المدنيين، ويدعو إلى
اتخاذ الخطوات الكفيلة لتلبية المطالب المشروعة للسكان، ويحظر توريد الأسلحة
لليبيا.
وتبني
مجلس الأمن في شهر مارس عام2011م، القرار رقم (1973)، وتضمن القرار حظر كل رحلات
الطيران فوق الأجواء الليبية، بهدف حماية المدنيين باستثناء رحلات الإمدادات
الإنسانية، ومطالبة كل الدول الأعضاء بعدم السماح لأيّ طائرة ليبية بالهبوط أو
الإقلاع من أراضيها، ودعوة كل الدول الأعضاء إلى اتخاذ كافة الإجراءات الضرورية
لحماية المدنيين والمناطق السكنية، التي تواجه تهديدًا في ليبيا، بما في ذلك
بنغازي، في الوقت الذي يستبعد فيه القرار إرسال قوة احتلال بأيّ شكل على أيّ جزء
من الأراضي الليبية، وأجاز القرار استخدام القوة العسكرية لحماية المدنيين، وطالب
القرار بوقف فوري لإطلاق النار، وإمكانية القيام بعمليات قصف جوي من أجل حماية
المدنيين، وطالب القرار بتجميد الأصول والأموال الليبية التي يديرها نظام القذافي
بشكلٍ مباشرٍ أو غير مباشرٍ، وطالب القرار من الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك
(بان كي مون) بإنشاء لجنة من ثمانية أعضاء من الخبراء لمساعدة لجنة مجلس الأمن في
مراقبة العقوبات ،وفور صدور القرار رحبت به كل من فرنسا، والولايات المتحدة،
وبريطانيا، وقال وزير الخارجية البريطاني (ويليام هيغ) أنّ الهجمات التي ينظمها
القرار لن تهدف إلى احتلال ليبيا، في حين تخوّفت روسيا من القرار؛ وقالت إنّه يهدف
لاحتلال ليبيا، وتخوّفت ألمانيا أيضًا من القرار؛ وقال وزير خارجيتها أنّ ألمانيا
تشعر بقلقٍ شديدٍ إزاء هذا القرار.
والسؤال
المطروح، ما مدى مشروعية التدخل الخارجي في ليبيا استنادًا على القرار رقم (1973)
لعام 2011م؟ حسب البعض؛ فإن التدخل الخارجي في ليبيا يمكن أن يستند لمبدأ مسؤولية
الحماية، والسؤال المطروح أيضًا ما هو مبدأ مسؤولية الحماية؟ يمكن تعريف مبدأ
مسؤولية الحماية” تعزيز سيادة الدول بتحميل مسؤولية حماية مواطنيها من جرائم
الحرب، والجرائم ضد الإنسانية، وجريمة الإبادة الجماعية، وجريمة التطهير العرقي،
وفي حالة عجز الدول في القيام بمهامها، أو تكون هي السبب في انتهاك حقوق مواطنيها،
يتدخل المجتمع الدولي بكل الوسائل المتاحة لمساعدة الدولة.
ويقوم مبدأ مسؤولية الحماية عن ثلاثة أسس، وهي؛ الوقاية: ويقصد بها أن تتخذ الدولة الإجراءات المناسبة من أجل منع انتهاك حقوق الإنسان بشكل يعزز سيادة الدولة، والأساس الثاني هو تقديم المساعدة الدولية في الوقت المناسب؛ ويقصد به أن تتحرك الأمم المتحدة بأسرع وقت من أجل وقف انتهاك حقوق الإنسان أو منع انتهاكه، وردة الفعل هذه تكون باتخاذ تدابير سواءً عسكرية أم غير عسكرية والأساس الثالث، إعادة البناء: ويقصد به أن تقوم الأمم المتحدة بعد انتهاء التدخل، بتقديم المساعدة لتهيئة الظروف الملائمة، لإعادة السلامة العامة، والنظام العام.
ثانيًا:
قرارات مجلس الأمن بخصوص ليبيا من عام 2012م لغاية عام 2015م
أصدر
مجلس الأمن القرار رقم (2040) في12/مارس عام 2012م، ونص القرار على تمديد ولاية
بعثة الدعم للأمم المتحدة في ليبيا لمدة 12 شهرًا آخر، وقام مجلس الأمن بإصدار
القرار رقم (2095) في14/مارس عام2013م، ونص القرار على تمديد ولاية بعثة الدعم
للأمم المتحدة في ليبيا لمدة 12 شهرًا آخر.
وأصدر
مجلس الأمن القرار رقم (2144) في14/3عام 2014م، ونص القرار على تأييده إجراء حوار
وطني، ويهيب بالحكومة الليبية تعزيز حقوق الإنسان، ويدين القرار حالات التعذيب
وسوء المعاملة، ويأمر الحكومة بسرعة تحويل المعتقلين للسجون الحكومية، وأصدر مجلس
الأمن القرار رقم (2146) في18/مارس عام 2014م، وأدان القرار محاولات تصدير النفط
الخام بطريقة غير مشروعة، ويهيب بحكومة ليبيا أن تقوم أو لاً بالاتصال على وجه
السرعة مع الدول التي تحمل السفينة علمها، ويمنح الدول الأعضاء إمكانية تفتيش
السفن المشتبه فيها بتهريب النفط الخام الليبي، واتخاذ كافة التدابير اللازمة لوقف
التهريب، وعلى هذه الدول الأعضاء أن تقوم بإخطار اللجنة المنشأة لمتابعة الأزمة
الليبية بتلك التدابير، وأصدر مجلس الأمن القرار رقم (2174) في27/أغسطس عام 2014م،
ودعا القرار جميع الأطراف إلى الاتفاق الفوري لإطلاق النار، ويدين استخدام العنف
ضد المدنيين والمؤسسات المدنية، ويدعو جميع الأطراف للدخول في حوار سياسي شامل،
والتواصل إلى توافق في الآراء بشأن الخطوات المقبلة في عملية التحول التي تشهدها
ليبيا.
وأصدر مجلس الأمن القرار رقم (2273) في12/مارس عام 2015م، ونص القرار على تمديد ولاية بعثة الدعم للأمم المتحدة في ليبيا لمدة 12 شهرًا آخر، وأصدر مجلس الأمن القرار رقم (2238) في10/سبتمبر عام 2015م، ونص القرار على تمديد ولاية بعثة الدعم للأمم المتحدة في ليبيا لغاية شهر مارس عام2016م، وأصدر مجلس الأمن القرار رقم (2259) في22/ديسمبرعام2015مرحب فيه بتوقيع الاتفاق السياسي بمدينة الصخيرات المغربية، ودعا الأطراف الليبية لسرعة تشكيل حكومة الوفاق الوطني.
ثالثًا:
قرارات مجلس الأمن بخصوص ليبيا من عام 2016م لغاية عام 2020م:
أصدر مجلس الأمن القرار رقم (2278) في31/مارس عام 2016م، ويطالب فيها حكومة الوفاق الوطني أن تعين منسقًا مسؤولاً عن الاتصال مع اللجنة المنشأة عملاً بالقرار (1970) لعام 2011م، وأن تخطر اللجنة عن أيّ سفن تنقل النفط الخام بطريقة غير مشروعة، ويطالب حكومة الوفاق الوطني أن تبلغ اللجنة حال اضطلاعها برقابة حصرية وفعالة على المؤسسة الوطنية للنفط، ومصرف ليبيا المركزي، والمؤسسة الليبية للاستثمار، ويطالب حكومة الوفاق الوطني أيضاً أن تعين منسقًا لإحاطة اللجنة وتزويدها بناء على طلبها بمعلومات ذات صلة بعمل اللجنة عن هيكل قوات الأمن الخاضعة لسيطرتها، والهياكل الأساسية القائمة لكفالة سلامة تخزين العتاد العسكري، ويحث الدول الأعضاء أن تقدم المساعدة لحكومة الوفاق الوطني وذلك بتزويدها بما يلزم من مساعدة في مجال الأمن وبناء القدرات لمواجهة الأخطار التي تهدد أمن ليبيا، وأصدر مجلس الأمن القرار رقم (2291) في9/يونيو عام 2016م، ونص على تمديد عمل بعثة الدعم في ليبيا إلى 15/سبتمبرعام2016م، وأصدر مجلس الأمن القرار رقم (2298) في22/يونيو عام/ 2016م، ورحب القرار بقرار المجلس التنفيذي لمنظمة حظر الأسلحة النووية، والذى دعا فيه لمساعدة ليبيا في وضع خطة للتخلص من مخزون الأسلحة الكيمياوية بشكل مبكرٍ وبطريقةٍ سليمة، وأصدر مجلس الأمن القرار رقم (2323) في12/ديسمبر عام 2016م، ونص على تمديد عمل بعثة الدعم في ليبيا إلى غاية 15/ سبتمبر عام2017م.
وأصدر مجلس الأمن القرار رقم (2362) في27/يوليو عام/ 2017م، ونص على تمديد عمل بعثة الدعم في ليبيا إلى غاية 15/نوفمبرعام2018م، وأصدر مجلس الأمن القرار رقم (2420) في11/يوليو عام 2018م، ونص على تمديد حظر توريد الأسلحة المنصوص عليه في القرار رقم (1970) 12 شهراً، وأصدر مجلس الأمن القرار رقم (2434) في15/9عام2019م، ونص على تمديد عمل بعثة الدعم في ليبيا إلى غاية 15/9عام2019م، وأصدر مجلس الأمن القرار رقم (2441) في5/نوفمبرعام2018م،ونص على تمديد عمل بعثة الدعم في ليبيا إلى 15/2عام2019م، وأصدر مجلس الأمن القرار رقم (2486) في14/سبتمبر عام/ 2019م، ونص على تمديد عمل بعثة الدعم في ليبيا إلى غاية 15/ سبتمبر عام2020م، وأصدر مجلس الأمن القرار رقم (2509) في11/فبراير عام 2020م، ونص على تمديد عمل بعثة الدعم في ليبيا إلى غاية 15/ سبتمبر عام2020م، وأصدر مجلس الأمن القرار رقم (2510) في11/ فبراير عام 2020م، ورحب القرار بمخرجات مؤتمر برلين، ورحب أيضًا بترشيح ممثلين لعضوية اللجنة العسكرية 5+5، وطلب القرار من الأمين تقديم تقريرًا بشأن الشروط اللازمة للرصد الفعال لوقوف إطلاق النار، وفقًا للشروط التي تتفق عليها اللجنة العسكرية المشتركة، ويطالب الأطراف الفاعلة بالتقييد بحظر توريد الأسلحة، والتوقف عن تقديم الدعم إلى جميع المرتزقة المسلحين وسحبهم، ويطالب جميع الدول الأعضاء بعدم التدخل في النزاع، أو إتخاذ تدابير تؤدي إلى تفاقم الصراع.
على الرغم من الجهود التي بذلها المبعوثون الأمميون إلى ليبيا والبعثة بصورة عامة خاصة في الآونة الاخيرة- إلا أن الأمم المتحدة أسهمت في حالة التخبط التي عاشتها وتعيشها الدولة الليبية، واكتفت بإدارتها للأزمة ولم تعمل على حلها. لقد كان لبعض من الدول الإقليمية والدولية دور في إدارة الصراع وفق مصالحها الاستراتيجية والاقتصادية، مما أعاق عمل المبعوثين الدوليين وجعل دور الأمم المتحدة هامشياً ومحتشماً، وهو ما أكده بعض الفقهاء والمختصين في المسألة الليبية، وصرح به أيضاً المندوب الأممي السابق في ليبيا السيد غسان سلامة في أكثر من مناسبة بقوله “إنّ عددا من الدول في مجلس الأمن خذلت ليبيا والليبيين" وبالتالي فإن الأمم المتحدة هي نفسها ضحية لهذا التأثير الذي دفعها إلى تبني حلول لا تستجيب بشكل كاف لطبيعة الأزمة الليبية.
المراجع
:
عطيه
أحمد عطية السويح، ،13.3.2021 دور مجلس
الأمن في حل الأزمة الليبية منذ عام2011م إلى عام2020م، مركز جيل البحث العلمي.
ب
. ن، 23 . 2022، دور الأمم المتحدة في تعقيد الأزمة الليبية، التجمع الليبي
للمبادرة الوطنية الليبية الموحدة للاستقرار والتنمية.