الطاقة المتجددة وتأثيرها في رفع مستوى الأمن الغذائي
فرع بنغازي

إن مصطلح الطاقة المتجددة يعبر عن الطّاقة الناتجة من عمليّات طبيعيّة، دون تدخل الإنسان، وتتجدد بصورة دائمة. ويوجد في الطبيعة عدّة أنواع منها مثل أشعة الشّمس، والطّاقة الحراريّة الجوفية، والرياح، وأمواج البحر، وطاقة المياه الجارية أو الساقطة من المنحدرات، بالإضافة إلى طاقة الكتلة الحيويّة بأشكالها المختلفة. ومن أهم مزايا الطّاقة المتجددة بأنّها غير نافذة ومجانية بالإضافة الى أنها طاقة نظيفة. أمّا مفهوم الطّاقة البديلة فإنّه يعبّر عن اي مصدر للطاقة يمكن استخدامه بديلا عن الوقود الأحفوري، وغالباً ما يكون من مصادر الطاقة غير التقليديّة والتي لا تؤثر في الطبيعة بصورة كبيرة مثل ما يؤثر حرق الوقود الأحفوري.

تلعب الطاقة دورًا مهمًا في تأمين أنظمة الغذاء عالميًا، من ناحية الإنتاج والتوزيع والاستهلاك، لكن الانتقال بعيدًا عن الوقود الأحفوري في هذه الأنظمة ضروري لتلبية الطلب بطريقة شاملة ومستدامة بيئيًا.

وتستهلك أنظمة الأغذية الزراعية نحو ثلث طاقة العالم، ما يجعلها مسؤولة عن ثلث انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية، وهذا يقوّض جهود مكافحة تغيّر المناخ، الذي ينعكس سلبًا على المحاصيل والأمن الغذائي.

وأدت الاضطرابات الاقتصادية والجيوسياسية إلى ارتفاع أسعار الطاقة بشكل غير مسبوق، ما سبب ارتفاعا في أسعار الغذاء العالمي، بالإضافة إلى تفاقم انعدام الأمن الغذائي في عديد من الدول مما يستوجب لصناع القرار والشركات والأفراد استخدام طاقة بديلة لا تتأثر بمجريات وتقلبات السوق العالمية والتي سوف تسهم في الحفاظ على أسعار الغذاء ورفع مستوى الأمن الغذائي في دول العالم. ومن الحلول التي أثيرت مؤخراً هي استخدام مصادر الطاقة المتجددة لقدرتها على تحسين الأمن الغذائي عن طريق خفض تكاليف إنتاج الزراعة وإنتاج الغذاء، وبالتالي، خفض أسعار الغذاء على المستهلكين، ما يجعل قطاع الزراعة والغذاء أقل عرضة لعدم الاستقرار الاقتصادي والجيوسياسي أو البيئي.

وتهدف جهود صناع القرار اليوم إلى تحقيق الركائز الأساسية المتعلقة بالأمن الغذائي والوصول إلى أهدافها وهي:

 1) وفرة الغذاء في السوق،

 2) القدرة على تحمل تكاليف الغذاء من قبل المستهلكين،

 3) الجودة والسلامة،

 4) والاستدامة الغذائية.

ارتفع الطلب على الطاقة لإنتاج الغذاء وتوزيعه واستهلاكه بنحو 20% بين عامي 2000 و2018، ويأتي تزايد الطلب على الطاقة في أنظمة الغذاء مع اتجاه آسيا إلى ميكنة الزراعة في شكل مضخات ري وآلات زراعية ومعدات معالجة ومدخلات مثل الأسمدة، وجميعها يعتمد على الوقود الأحفوري.

هناك عدة طرق عديدة يمكن من خلالها استخدام الطاقة المتجددة كالطاقة الشمسية، وطاقة الرياح، والطاقة المائية، والوقود الحيوي، وتستخدم كل من هذه الأنواع في تعزيز الأمن الغذائي من خلال عدة طرق:

أولاً- تساعد مصادر الطاقة المتجددة على خفض تكاليف الإنتاج عن طريق خفض المبلغ الذي يتم إنفاقه على مصادر الطاقة من الوقود الأحفوري، والتي ارتفعت تكاليفها بشكل كبير خلال هاتين السنتين بسبب العوامل الاقتصادية والجيوسياسية. ويمكن استخدام مصادر الطاقة المتجددة لتشغيل مضخات الري والجرارات والآلات الزراعية وغيرها. فيمكن للمزارعين من خلال ذلك إنتاج المزيد من الغذاء بكلفة أقل مما يجعل الغذاء متاحا للمستهلكين بأسعار معقولة.

ثانياً- تركز مصادر الطاقة المتجددة على تحسين كفاءة إنتاج الغذاء، ما يعني، على سبيل المثال، أنه يمكن لمصادر الطاقة الشمسية تشغيل أنظمة الري وزيادة كفاءتها وخفض معدل هدر المياه. بالإضافة إلى فعالية الطاقة المتجددة في تشغيل وحدات التبريد والتي تساعد في الحفاظ على الأطعمة من التلف والتقليل المستمر في هدر الطعام.

ثالثاً- تعزيز مستوى الاستدامة، وذلك بسبب اعتبار مصادر الطاقة المتجددة أكثر استدامة من الوقود الأحفوري، كما أن مصادر الطاقة المتجددة تسهم في خفض غازات الاحتباس الحراري وخفض تأثيرها في البيئة. لذلك، فإن مصادر الطاقة المتجددة تساعد في ضمان إنتاج الغذاء والحفاظ على البيئة على المدى البعيد.

رابعاً- تقليل الاعتماد على الطاقة المستوردة، تعتمد عديد من البلدان على مصادر الطاقة المستوردة لتشغيل قطاعاتها الزراعية، والتي قد تكون باهظة الثمن في بعض الأوقات ما يسهم في زيادة انعدام أمن الطاقة والأمن الغذائي معاً.

خامساً- زيادة المرونة، فيمكن لاعتماد مصادر الطاقة المتجددة على توفير مصدر طاقة خلال الأزمات والكوارث الاقتصادية والجيوسياسية والبيئية، ما يساعد على ضمان وجود طاقة دائمة ومستمرة للقطاع الزراعي والغذائي، وضمان إنتاج الغذاء للمستهلكين ومنع حدوث ارتفاع مفاجئ في الأسعار يمكن من خلالها خلق حالة من عدم التوازن الاقتصادي.

كيفية التحوّل في أنظمة الغذاء:

كما أن انبعاثات دورة الحياة لضخ المياه بالطاقة الشمسية تكون أقل بما يتراوح 95% و98%، من المضخات التي تعمل بشبكة الكهرباء أو وقود الديزل.

بينما تقدّم أنظمة المعالجة الزراعية القائمة على مصادر الطاقة المتجددة بديلًا فعالًا من ناحية التكلفة للوقود الأحفوري، مثل عملية طحن الحبوب بالطاقة الشمسية، لكن هذا الاتجاه لا يزال في مرحلة مبكرة، وفقًا للتقرير.

ومن جهة أخرى، يمكن أن يؤدي الاعتماد على الطاقة المتجددة إلى تحسين عملية التخزين البارد للغذاء لزيادة مدة الصلاحية، ما يساعد على تقليل الخسائر الناتجة عن تلف المنتجات .

كما يمكن أن تلعب الطاقة الحيوية المستدامة دورًا مهمًا في تلبية احتياجات الكهرباء ووقود التدفئة والنقل داخل قطاع الأغذية الزراعية، بحسب التقارير.

هناك عديد من الحالات التي توضح كيف يمكن لمصادر الطاقة المتجددة أن تحسن الأمن الغذائي، وفيما يلي بعض الأمثلة على ذلك:

أولاً، استخدام الطاقة الشمسية في تشغيل نظام الري في الهند:

يقوم رواد الأعمال في الهند بتنفيذ نظام ري يعمل بالطاقة الشمسية ساعد المزارعين على زيادة للمحاصيل مع تقليل اعتمادهم على مضخات الري باهظة الثمن التي تعمل بالديزل، وتستخدم الألواح الشمسية لتشغيل مضخات المياه، والتي توفر مصدرًا موثوقا للطاقة للمزارعين ونتيجة لذلك، يمكن للمزارعين ري محاصيلهم بشكل أكثر كفاءة، ما أدى إلى زيادة النسبة التي تنمو فيها محاصيلهم وزيادة الأمن الغذائي كنتيجة لذلك.

ثانياً، تشغيل نظام التخزين البارد عن طريق الطاقة الشمسية في كينيا:

استخدمت كينيا نظام التخزين البارد الذي يعمل بالطاقة الشمسية وساعد في تقليل هدر الطعام وتحسين الأمن الغذائي تستخدم نظام الألواح الشمسية في تشغيل وحدات التبريد التي تخزن الأطعمة القابلة للتلف مثل الفواكه والخضروات من خلال توفير مصدر موثوق للطاقة، وساعد هذا النظام المزارعين على الحفاظ على محاصيلهم فترات طويلة والحد من التكاليف الناتجة عن استخدام الطاقة من الوقود الأحفوري.

ثالثاً، محطة تحلية للمياه التي تعمل بطاقة الرياح في المغرب:

قامت للغرب ببناء محطة تحلية تعمل بالرياح وتوفر المياه العذبة للمزارعين في المناطق القاحلة، تستخدم للمحطة توربينات الرياح لتوليد الكهرباء، والتي تستخدم لتشغيل محطة تحلية لمياه التي تحول مياه البحر المالحة إلى مياه عذبة صالحة للشرب والاستخدام كما ساعدت للحطة المزارعين على زراعة المحاصيل في المناطق التي كانت في السابق غير مناسبة للزراعة، ما أدى إلى زيادة الأمن الغذائي في تلك المناطق.

ثالثاً، تشغيل نظام الري بالطاقة الشمسية في كاليفورنيا:

طبقت كاليفورنيا نظام ري يعمل بالطاقة الشمسية ساعد الزارعين على تقليل اعتمادهم على الوقود الأحفوري وتحسين أمن الطاقة لديهم، علماً أن أسعار الطاقة في كاليفورنيا كانت في ازدياد مضطرد وتساعد الألواح الشمسية في تشغيل مضخات الري وخفض تكاليف الإنتاج كما ساعد هذا النظام المزارعين على إنتاج لمزيد من الغذاء بتكلفة أقل مما ساعد على زيادة الأرباح الناتجة عن المواد الغذائية التي يتم بيعها وزيادة الأمن الغذائي لديهم.

وعلى الرغم من أن المزارع العمودية تنتج المزيد من المحاصيل لكل فدان من التربة وتستخدم أقل بكثير من موارد الأراضي والمياه وقدرتها على إنتاج للمحاصيل على مدار العام إلا أنه وفقًا لتقرير تعداد CEA العالمي لعام 2021، فإن للمزارع العمودية تستهلك في المتوسط طاقة أكبر 38.8 كيلوواط/ ساعة لكل كيلوغرام من المنتجات مقارنة بالزراعة التقليدية، والتي يبلغ متوسط استهلاكها للطاقة 5.4 كيلوواط/ الساعة لكل كيلوغرام. ومن هنا، لعل هذا التحدي يمكن أن يشجع أصحاب المصلحة من الأكاديميين ورواد الأعمال وصناع القرار على دراسة استخدام الطاقة المتجددة في الزراعة العمودية لإنتاج محاصيل زراعية أسرع ثلاث مرات من الزراعة التقليدية وبكفاءة أكبر وباستخدام طاقة مجانية، ما سيعمل على زيادة الأرباح المحصلة عند إنتاج للمحاصيل على مدار السنة.

وفي الختام، تساعد مصادر الطاقة المتجددة على تعزيز الأمن الغذائي عن طريق خفض تكاليف الإنتاج، زيادة الكفاءة الإنتاجية، تعزيز الاستدامة، والاعتماد على مصادر طاقة نظيفة بديلة عن المصادر التي تعتمد على الوقود الأحفوري. وهناك العديد من الدول التي نجحت في تمكين قطاع الزراعة والأغذية من خلال اعتماد مصادر الطاقة المتجددة والتي لم تتأثر بمجرى ارتفاع أسعار الطاقة الحالية كسنغافورة ومناطق في الهند وكينيا والمغرب وغيرهم، بل زادت من مرونتها بشكل أكبر وعلى نفعها للمزارعين والشركات والمستهلكين والبيئة. وفي الجزء القادم من هذا المقال، سوف يتم تناول بعض التطبيقات العملية لعديد من الدول حول العالم التي استخدمت مصادر الطاقة المتجددة لدعم القطاع الزراعي ورفع مستوى الأمن الغذائي عندها.







المراجع

علي فقيه، 18/03/2023، الطاقة المتجددة وتأثيرها في رفع مستوى الأمن الغذائي (1)، صحيفة لنكيدن.

أحمد شوقي، 2021-11-04، خفض الانبعاثات.. كيف تتبنى أنظمة الغذاء الطاقة المتجددة؟، صحيفة الطاقة ATTAGA.

المقالات الأخيرة