أسس المسؤوليـة الجنائيـة الدوليـة للفـرد
فرع بنغازي

قبل ان يتقرر للفرد مسؤوليته الجنائية الدولية بموجب القانون الدولي المعاصر ظهرت اتجاهات عدّة ما بين معارض ومؤيد لهذهِ المسؤولية فعلى الرغم من الاجماع المنعقد بين الفقهاء على أن الفرد يعد محل اهتمام خاص للقانون الدولي، نجد أن هناك خلافاً واضحاً في الرأي تجاه هذهِ المسألة . كما تقررت اسباب لدفع المسؤولية هذهِ عن الفرد اذا ما توافرت احداها. لذا سنبحث الاتجاهات التي تقرر مدى مسؤولية الفرد في الفرع الاول أما الفرع الثاني فسنخصصه لا سباب الدفع بعدم المسؤولية وبحسب الاتي: -

الفرع الأول / مذاهب تقرير مسؤولية الفرد الجنائية الدولية

كان الفرد محل نزاع في القانون الدولي من ناحية شخصيته الدولية وولائه المباشر لهذا القانون ، وكان لهذا النزاع أثره في انقسام الفقه الدولي الجنائي في ظل المتغيرات التي حدثت في النظام القانوني الدولي الى ثلاثة مذاهب فيما يتعلق بمدى هذهِ المسؤولية: -

أولاً: مذهب يرى أن الدولة وحدها هي المسؤولة عن الانتهاكات الجنائية الدولية (الجريمة الدولية) يذهب أنصار هذا المذهب الى ان " الدولة هي الشخص الوحيد الذي يرتكب جريمة القانون الدولي لأن القانون الدولي لا يخاطب الا الدول كما ان جرائم هذا القانون لا يرتكبها الا المخاطبون به. وان الفرد الطبيعي غير مسؤول جنائياً لأن خضوع الشخص الطبيعي لنظامين قانونيين في نفس الوقت – أي القانون الداخلي والقانون الدولي – لا يمكن تصوره في الوقت الذي لا يوجد تنظيم عالمي او دولة عالمية ومن ثم فأنه من العسير تقرير المسؤولية الدولية للأفراد في الوقت الحاضر – في الاقل – ومن ثم فأن الدولة تكون وحدها هي المسؤولة جنائياً عن الجرائم الدولية

ويرى انصار هذا المذهب ايضاً في الدولة "المحل الرئيسي للقانون الجنائي الدولي باعتبارها تشكيلاً اجتماعيا له السلطة، فبما أنها تؤول اليها المنافع الناجمة عن استعمال هذهِ السلطة من دون أن تكون لدينا فكرة نسبتها الى مجموعة الافراد المقيمين فيها ونسألها عن إساءة استعمالها لها من الناحية المدنية – وهذا يحصل دائماً للحصول على التعويض المدني عن الاضرار التي تسببت فيها – فمن الممكن ايضاً أن نسألها للتكفير جنائياً عما ارتكبته بسبب تلك السلطة وهذهِ المسؤولية ضرورة عملية في مجتمع منظم قانوناً إذ لا يجوز أن تكون هناك حرية دون مسؤولية" .

وإذ أن هذا الرأي قد استند الى نظريات الفقه الدولي التقليدي فأنه قد أغفل الجوانب المستحدثة للمتغيرات الدولية، التي تجسدت بالاعتراف للفرد بالشخصية الدولية وبحقوق وواجبات دولية ، ومن ثم لم يستجب لها ولم يعد يمثل فكراً جديراً بالاعتداد به في فقه القانون الدولي الحديث .

ثانياً :مذهب يأخذ بالمسؤولية المزدوجة للدولة والفرد

يرى أصحاب هذا المذهب أن للشخص المعنوي وجوداً حقيقيا وانه "إذا كان هناك ثمة اعتراض على فكرة مسؤولية الدولة الجنائية بحجة أنها ليست لها إرادة خاصة متميزة وإنما هي شخص معنوي يباشر عمله عن طريق ممثليه من الافراد ومن ثم تكون شخصيتها قائمة على الحيلة والافتراض في حين أن المسؤولية الجنائية لا يمكن ان تقع الا على افراد حقيقيين لانهم وحدهم الذين يمكن عقابهم ،فانه من الواجب الاخذ في الاعتبار ان القانون الدولي مهمته حماية الدول ضد الاعتداءات التي تتعرض لها ومن المستحيل اذن الا تتحمل نفس الدول الجزاءات الجنائية في الاحوال التي تكون فيها مدانة في جرائم دولية، ذلك لان الاعتراف بالشخصية الدولية للدولة يتضمن ايضا الاعتراف بإمكانية تحمل تبعة المسؤولية الجنائية الدولية، ولان من نتائج هذا الاعتراف نسبة صفة الاهلية لارتكاب الجرائم الدولية، كما ان القانون الدولي الجنائي لا يمكنه ان يتجاهل المسؤولية التي تقع على الاشخاص الطبيعيين بمناسبة الافعال الاجرامية التي يرتكبونها باسم الدولة، وانه اذا كانت الجزاءات الجنائية الخاصة يجب ان تطبق على الدول فأن العقاب الدولي يجب ان يمتد ايضا الى الاشخاص الذين قادوا وارتكبوا تلك الافعال .لذا فان الافعال المستوجبة للمسؤولية الجنائية الدولية يمكن ان ينشا عنها نوعان من المسؤولية ،مسؤولية جماعية للدولة المنسوب لها ارتكاب الجريمة الدولية ومسؤولية فردية للأفراد الطبيعيين الذين قاموا بارتكاب الافعال المكونة لتلك الجريمة .ويؤسس مسؤولية الافراد على وفق الاسس والمبادئ المعروفة في القانون الجنائي الداخلي بينما يؤسس مسؤولية الدولة على اساس عنصر حرية الارادة الذي يستند اليه القصد أو الخطأ " ومن انصار هذا المذهب من يرى أن الدولة شخص ورئيس الدولة شخص أخر"

كذلك " اقرار المسؤولية الجنائية المزدوجة للأفراد والدول على أن توقع عليهم التدابير والجزاءات الملائمة للدفاع الاجتماعي للدول "

ثالثاً/ مذهب يحمل الفرد (الشخص الطبيعي ) وحده تبعة المسؤولية الجنائية الدولية

اذ يرى عدد كبير من الفقهاء ان المسؤولية الجنائية لا يمكن أن يكون محلها سوى الافراد الذين يرتكبون الانتهاكات الجنائية المستوجبة لهذه المسؤولية ، بينما الدول فلأنها شخص معنوي لذا لا يمكن أن يتوافر فيها . عنصر النية الاجرامية الذي يعد أساساً في الجريمة ومن ثم فلا يمكن أن تكون مسؤولة جنائياً .وأن فكرة المسؤولية الجماعية فكرة بدائية رفضتها المدنية الحديثة وأقرت فكرة شخصية الاسناد والعقاب. فلا يمكن أن يرتكب السلوك المستوجب للمسؤولية الجنائية الدولية غير الفرد سواء لحسابه الخاص أم لحساب الدولة وباسمها .ذلك لان الدولة لا يمكن أن تتصف بصفة الاجرام. وان كان في المقابل يمكن تصور وجود حكومة ارهابية فأن تعبير الدولة المجرمة لا معنى له من الوجهة القانونية. أما الحكومة المجرمة فهي على العكس من ذلك تعد حقيقة واقعية وشيء خطير. ولابد من استبعاد فكرة امكان عقاب الدولة من الجهة القانونية والعملية أما الحكومات فيمكن بل من الواجب أن تعاقب ، وحتى في حالة مساءلة الحكومات فأن الجرائم الدولية تظل دائماً فردية يتحمل الافراد مسؤوليتها الجنائية.

هذه هي المذاهب التي بحثت في امكانية مساءلة الشخص الطبيعي مساءلة جنائية دولية. مكان المذهب الاخير الذي يرى مساءلة الشخص الطبيعي هو السائد في الفقه الدولي المعاصر بل اخذت به السوابق التاريخية وقررته المواثيق الدولية. اذ كانت الخطوة الحاسمة نحو الاعتراف بالفرد كشخص من أشخاص القانون الدولي هي تلك التي اتخذتها الدول عقب الحرب العالمية الثانية باعترافها به كمحل للحقوق والواجبات الدولية في ميثاق الامم المتحدة ولائحتي نورمبرج وطوكيو. فميثاق الامم المتحدة يقرر في ديباجته أن الفرد محل للحقوق الدولية. أما المادة من لائحة نورمبرج والمادة  من لائحة طوكيو فتبينان ان الفرد محل للواجبات. كما ورد في المبدأ الاول من مبادئ نورمبرج أن كل شخص يرتكب أو يشترك في ارتكاب فعل يعد جريمة طبقاً للقانون الدولي يكون مسؤولاً عن هذا الفعل ومستحقاً للعقاب أي أن الشخص الطبيعي الذي يرتكب فعلاً ينتهك به قواعد القانون الدولي يعد مسؤولاً وبصورة مباشرة امام القانون الدولي وهذا ما أكدته محكمة نورمبرج بقولها" أن من المبادئ المقررة أن القانون الدولي يفرض واجبات ومسؤوليات على الافراد كما يفرضها على الدول وان الجرائم التي ترتكب انتهاكاً للقانون الدولي انما يرتكبها أفراد لا هيئات معنوية، وبغير معاقبة هؤلاء الافراد الذين يرتكبون هذه الجرائم لا يمكن انفاذ حكم القانون الدولي". وكما تقرر منذ صدور لائحتي نورمبرج وطوكيو مبدأ مسؤولية الفرد عن انتهاكات الالتزامات الدولية المقررة في العرف أو في القانون الاتفاقي ، فقد أكدته العديد من الاتفاقيات الدولية التي أبرمت بعد الحرب العالمية الثانية وحتى يومنا هذا وكان أهمها نظام روما الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية اذ انه يخاطب بأحكامه الافراد وليس الدول فقد نصت المادة منه " … وتكون المحكمة هيئة دائمة لها سلطة لممارسة اختصاصها على الاشخاص …" أما المادة (25-1) فقد حددت بالضبط على من تمارس هذه المحكمة اختصاصها اذ تنص على " يكون للمحكمة اختصاص على الاشخاص الطبيعيين عملاً بهذا النظام الاساسي " أما الفقرة (2) من هذه المادة فقد قررت مسؤولية الافراد عن الجرائم المرتكبة ضمن اطار اختصاص هذه المحكمة اذ تنص على " الشخص الذي يرتكب جريمة تدخل في اختصاص المحكمة يكون مسؤولاً عنها بصفته الفردية وعرضة للعقاب وفقاً لهذا النظام الاساسي ".

وبدورنا نؤيد قيام المسؤولية الجنائية الدولية بحق الافراد الذين يرتكبون الانتهاكات الجنائية الدولية حتى لا يفلت شخص من العقاب عما يسببه من تهديد للسلم والامن الدوليين ولسلم وأمن الافراد .

ولكن وفي نفس الوقت نؤيد أيضاً قيام المسؤولية الجنائية الدولية بحق الدول الى جانب مسؤولية الافراد – أي مسؤولية مزدوجة لان الدول ايضاً مسؤولة عن هذهِ الانتهاكات لخرقها التزاماتها الدولية تجاه المجتمع الدولي ، ولا يجوز ان تتخلص من تبعة المسؤولية عن تلك الانتهاكات باللقاء هذهِ التبعة على عاتق الافراد اذا ما ثبت فعلياً انتهاكها لالتزاماتها الدولية . ونجد ان المادة (25-4) من نظام روما الاساسي قد سارت في نفس هذا الاتجاه اذ تنص على "لا يؤثر أي حكم في هذا النظام الاساسي يتعلق بالمسؤولية الجنائية الفردية في مسؤولية الدول بموجب القانون الدولي".

الفرع الثاني / الدفع بعدم المسؤولية

هي الاسباب التي تمنع قيام المسؤولية للفاعل وتسمى ايضاً بموانع المسؤولية الجنائية . وتعّرف بأنها "الاسباب التي تعرض للإرادة فتجردها من قيمتها القانونية وتكون الارادة غير معتبرة اذا تجردت من التمييز او أنتفت عنها حرية الاختيار فحالات امتناع المسؤولية ترد الى انتفاء الادراك أو حرية الاختيار. فاذا ما توافرت احد هذهِ الاسباب عدّ مرتكب الفعل غير مسؤول"

فالإدراك وحرية الاختيار هما مقومات الاهلية الجنائية وشرط قيام المسؤولية الجنائية ، فاذا ما فقدا او فقد احدهما يتعذر عند ذاك إسناد الجريمة للشخص الذي فقدهما عند ارتكابه للسلوك المعدّ انتهاكاً جنائياً دولياً . عندها تمتنع مسؤوليته الجنائية . وقد يكون السلوك الذي ارتكبه المتهم في ذاته جريمة ويشكل انتهاكاً جنائياً دولياً لقواعد القانون الدولي طبقاً لهذا القانون الا انه وفي نفس الوقت قد تكتنف اتيان هذا السلوك ظروف وملابسات تبرره دولياً بموجب هذا القانون وبذلك يجد المتهم لنفسه سبباً قوياً يدعوه الى الدفع بانتفاء مسؤوليته عن ارتكاب السلوك المكون للانتهاك الجنائي الدولي .

 هذه الاسباب عديدة وهي مشابهة لما ورد في التشريعات الجنائية الداخلية . الا ان المادة (31) من نظام روما الاساسي –والذي يعد أول من قرر صراحة كحكم دولي وكقاعدة قانونية دولية الاسباب التي تمنع المسؤولية الجنائية الدولية عن الافراد – بينت هذهِِ الاسباب. ومن اهم هذهِ الاسباب: - العاهة العقلية ، السكر ، الاكراه، الدفاع الشرعي والامتثال لا وامر الرؤساء الذين تجب طاعتهم.

أولاً / العاهة العقلية: -

يقصد بها "جميع ما يصيب العقل من علل مخلة بوظيفته وهي بهذا تضم الى مدلولها " الجنون " وكل آفة أخرى تصيب العقل كالتخلف العقلي الذي يتوقف فيه نمو القدرة العقلية في المستوى الذي لا يؤهل المصاب للإدراك كلياً أو جزئياً . ويشمل هذا المصطلح في مدلوله أيضاً " العلل النفسية " لان معنى كلمة "العقل" علمياً يقوم على "عد الحياة العقلية للإنسان تتكون من جهازين فرعيين أحدهما ارادي وهو العقل الظاهر أو الشعور والاخر لا ارادي وهو العقل الباطن أو اللاشعور وكل منهما متمم للأخر ويكونان وحدة لا تتجزء فإذا ابتلى العقل الباطن بعلل نفسية كان له أثره في مظاهر الحياة الشعورية وعد في نظر العلم عاهة في العقل وتأثر كل من ملكتي الادراك والارادة بالعلل النفسية حقيقة علمية ومن هذه العلل ما تؤدي الى فقد الادراك أو الارادة ومنها ما تضعف الادراك أو الارادة ".

وقد نصت المادة (31-1/ أ) من نظام روما الاساسي على انه " بالإضافة الى الاسباب الاخرى لامتناع المسؤولية الجنائية المنصوص عليها في هذا النظام الاساسي ، لا يسأل الشخص جنائياً اذا كان وقت ارتكابه السلوك : (أ) يعاني مرضاً أو قصوراً عقلياً بعدم قدرته على أدراك عدم مشروعية أو طبيعة سلوكه أو قدرته على التحكم في سلوكه بما يتمشى مع مقتضيات القانون  . ومما يلاحظ على هذا النص انه يركز على معيار الاثر المترتب على الاصابة بهذهِ الامراض ، بحيث يمكن الاعتداد بها في منع قيام المسؤولية الجنائية اذا  كانت تعدم الادراك أو حرية الاختيار لدى الجاني، اكثر من تركيزه على أشكال المرض العقلي أو النفسي .

فضلاً عن ان هذا النص لم يبين حكم إصابة الجاني بعاهة عقلية لا تعدم الادراك أو الاختيار لديه كلياً بل تضعفها – كما هو في القوانين الجنائية الداخلية – التي عدّته عذراً مخففاً . مما يفسر معه أتجاه نظام روما في ان مثل هذا الامر متروك للسلطة التقديرية للمحكمة عند فرض العقوبة كونها من الظروف القضائية التي تعتمدها المحكمة بالنزول بالعقوبة الى حدها الادنى دون إمكان عّدها من الاعذار القانونية المخففة للعقاب لعدم النص عليها اذ لا عذر معف أو مخفف من دون نص .

ثانياً / حالة السكر : -

يعرف السكر بأنه "الحالة التي يكون فيها الانسان غير قادر على مزاولة أعماله المعتادة بالطرائق العادية نتيجة لتعاطيه مشروبات كحولية او عقاقير مخدرة ، فاذا زاد السكر ازداد الفرق بين حالة الانسان سكراناً وبين حالته غير سكران ، فيقل شعور السكران بنفسه ويقع تحت تأثيره غرائزه وطباعه البدائية بفعل الكحول والمخدر وتضعف فيه قوة ضبط النفس فيندفع وراء إحساساته ومشاعره حتى اذا ما بلغ السكر أشده صار السكران كالمجنون تماماً.

اما المواد المسكرة او المخدرة فيقصد بها "تلك المواد التي يؤدي تعاطيها الى فقد الوعي للإسكار او التخدير الذي تحدثه. ولا عبرة بنوعها اذ يدخل في معناها المواد الكحولية كالخمور بأنواعها . كما يدخل فيها المواد المخدرة كالحشيش والافيون والمورفين والهيرويين وغيرها كما لا عبرة بوسيلة أخذها. فقد تكون ما يؤخذ بالأكل او الشرب او الحقن او الشم". وقد نصت المادة (31-1/ب) من نظام روما الاساسي على "… لا يسأل الشخص جنائياً اذا كان وقت ارتكابه السلوك.  في حالة سكر مما يعدم قدرته على أدراك عدم مشروعية او طبيعة سلوكه او قدرته على التحكم في سلوكه بما يتمشى مع مقتضيات القانون ، ما لم يكن الشخص قد سكر باختياره في ظل ظروف كان يعلم فيها أنه يحتمل أن يصدر عنه نتيجة للسكر سلوك يشكل جريمة تدخل في اختصاص المحكمة أو تجاهل فيها هذا الاحتمال". اذن لا يعد كل تناول للمواد المسكرة او المخدرة سبباً يمنع المسؤولية عن متناولها، وانما الذي يمنعها هو ما يترتب على أي منهما من فقد للإدراك او الاختيار او كليهما معاً. من دون هذا الفقد لا تمتنع المسؤولية عن الجاني وان كان متناولاً لهما أو لأحدهما ، مع وجوب معاصرة هذا الفقد لارتكاب السلوك المعدّ انتهاكا جنائياً دولياً.

هذا وتتجه معظم التشريعات الجنائية الوطنية وكذلك الفقه الجنائي الى اقرار قيام المسؤولية الجنائية لمرتكب الجريمة اذا كان تحت تأثير مسكر أو مخدر تناوله بأرادته ومن ثم فلا مسؤولية جنائية على مرتكب الجريمة اذا كان تحت هذا التأثير وكان المسكر أو المخدر قد أُعطي له كرهاً عنه أو بغير علم منه.

ثالثاً / الاكراه: -

هو ما يصيب الانسان من مؤثرات تعدم عنده الاختيار أو تضعفه الى حد حصره في سبيل واحد فيأتي أعمالاً رغم إرادته أو مدفوعاً اليها بقوة غالبة أو يمتنع عن أعمال واجبة عليه رغماً عنه، ولما كان الاختيار هو أحد ركني المسؤولية الجزائية فما يقع من الانسان من فعل أو امتناع أو ترك مع انعدام الاختيار لا يكون جريمة لعدم إرادة الفعل المكون للجريمة فاذا ضعف الاختيار يبقى القصد من الافعال متحققاً ومنسوباً للإرادة وتتحقق به المسؤولية غير ان ما يشوب الاختيار من الضعف الناتج عن ضغط الاكراه الشديد يستوجب رفع المسؤولية الجزائية". كما عرّف بأنه "قوة من شأنها ان تشل إرادة الشخص أو تقيدها الى درجة كبيرة عن ان يتصرف وفقاً لما يراه".

وقد نصت المادة (31-1/د) من نظام روما الاساسي على "لا يسأل الشخص جنائياً اذا كان وقت ارتكابه السلوك: - د – اذا كان السلوك المدعى انه يشكل جريمة تدخل في اختصاص المحكمة قد حدث تحت تأثير إكراه ناتج عن تهديد بالموت الوشيك أو بحدوث ضرر بدني جسيم مستمر أو وشيك ضد ذلك الشخص أو شخص آخر ، وتصرف الشخص تصرفاً لازماً ومعقولاً لتجنب هذا التهديد، شريطة الا يقصد الشخص ان يتسبب في ضرر أكبر من الضرر المراد تجنبه. ويكون ذلك التهديد: (1) صادراً عن أشخاص آخرين (2) أو تشكل بفعل ظروف أخرى خارجة عن إرادة ذلك الشخص". هذا النص يشمل نوعي الاكراه المادي والمعنوي. فالإكراه المادي "يتضمن تسليط قوة ملموسة على إرادة شخص فتشل حريته في الاختيار ويكون المكره غير مسؤول انما المسؤول هو مَن شلّ حريته وجعل من حركات جسمه مجرد أداة لارتكاب الجريمة مما يسقط بسببه الركن المعنوي في جريمته وتمنع مسؤوليته الجزائية" ويلاحظ أن النص" لم يميز بين مصدر الاكراه كونه من فعل الانسان أم من فعل الطبيعة – القوة القاهرة – فأي منهما اذا تحقق وشلّ إرادة الفاعل سقط لديه الركن المعنوي وامتنعت مسؤوليته الجزائية".

اما الاكراه المعنوي "فيقوم على وضع نفسي يكون فيه الفاعل واقعاً تحت تأثير تهديد يخشى على نفسه أو نفس غيره من الموت أو من الاذى الجسيم الواقع فعلاً والمستمر أو وشيك الوقوع بشرط أن لا يكون في مقدور الشخص تجنب هذا التهديد بأية طريقة وشرط أن لا يتسبب في فعله احداث ضرر أو أذى أكبر جسامة من الضرر أو الاذى الذي يتجنبه". هذا وقد اعترفت لجنة القانون الدولي التابعة للأمم المتحدة في تقريرها عن مشروع تقنين الجرائم ضد سلام وأمن الانسانية " أن الرأي العام المستمد من العمل بعد الحرب يتجه الى عدّ الاكراه وسيلة دفاع متى كان الفعل قد ارتكب لتفادي خطر حال جسيم لا يمكن إصلاحه وليس ثمة وسيلة أخرى لدرئه. ورأت أن يقدر الاكراه على أسس شخصية أي بالنظر الى شخص مرتكب الفعل والظروف التي أحاطت به وقد أكد التقرير الى أنه لا يوجد قانون يتطلب من شخص التضحية بحياته أو تحمل آلام جسيمة لتجنب ارتكاب جريمة".

رابعاً / الامتثال لأوامر الرئيس الاعلى: -

برزت خلافات شديدة حول هذا الموضوع منذ مؤتمر لندن الذي عقد في 26/يونيه/1945 بين كل من مندوبي الولايات المتحدة الامريكية والمملكة المتحدة والاتحاد السوفيتي وفرنسا وذلك إبان تفاوضهم على تنفيذ ما تم الاتفاق عليه في مؤتمر موسكو من محاكمة مجرمي الحرب.

وقد ظهرت آراء بهذا الشأن: -

يذهب الرأي الاول الى أن تنفيذ أمر الرئيس الذي تجب طاعته بموجب القانون الداخلي يعد سبباً لنفي المسؤولية الجنائية أيضاً في القانون الدولي. ويستندون في رأيهم هذا الى مقتضيات أو ضرورات النظام العسكري الذي لا يتصور قيامه دون طاعة كاملة من المرؤوسين تجاه الرؤساء. كما أن المرؤوس يكون مكرهاً بإطاعة أوامر رئيسه. فضلاً عن أن التسليم بهذهِ الحالة لا يقوض بنيان القانون الدولي لأن المسؤولية الجنائية ستظل قائمة على عاتق الرئيس الذي أصدر الأمر غير المشروع. أما الرأي الثاني فيذهب الى أنه لا يعد تنفيذ أمر الرئيس الذي تجب طاعته سبباً لنفي المسؤولية الجنائية في القانون الدولي لان اقرار هذا المبدأ في القانون الداخلي لا يلزم القانون الدولي به للفرق الواضح بين القانونين من جهة، ولأن القاعدة السائدة في القانون الدولي هي تغليب أحكام وقواعد القانون الدولي على القانون الداخلي من جهة أخرى. ويعد إقرار مثل هذا السبب في القانون الدولي الجنائي كما هو الحال في القانون الداخلي عدواناً على المصالح التي يحميها هذا القانون. لأن المرؤوس – وكما يذهب الرأي الثاني – ليس آلة صماء تنفذ من دون تفكير ما تلقاه من اوامر، بل هو انسان لديه ملكات الوعي والادراك ومن واجباته تفحص الامر الصادر اليه وان لا يقدم على تنفيذه الا اذا ثبت له توافقه مع القانون. فضلاً عن المرؤوس شخص من أشخاص القانون الدولي كما الرئيس تماماً، لذا يقع عليه واجب تنفيذ جميع الالتزامات التي يفرضها القانون الدولي الجنائي بشكل مباشر من دون توسط الرئيس بينهما ، فلا ينبغي لا وامر الرئيس ان تكون لها قيمة قانونية وتبقى على صفتها غير المشروعة.

كذلك فأن الاعتراف بقيمة أمر الرئيس هو تناقض مع طبيعة القاعدة القانونية المتسمة بالتجرد وسريانها على طائفة من الافعال من دون أن تفرق بين أشخاص مرتكبيها .ومن النتائج غير المقبولة التي سوف تترتب لو أُخِذَ بهذا السبب، إهدار وجود قواعد القانون الدولي الجنائي والسماح بمخالفتها والاعتداء على أهم الحقوق والمصالح التي يحميها لمجرد كون الفعل قد صدر بناء على أمر الرئيس، عندها تزول الحماية التي حرصت وتحرص الجهود الدولية على توفيرها للحقوق الاساسية ، وتزول كل قيمة للقواعد التي تنظم الحروب وتصبح الافعال الوحشية أفعالاً مشروعة لمجرد كونها صادرة عن رئيس تجب طاعته.

وقد انتهى مندوبي الحلفاء في مؤتمر لندن الى تقرير المسؤولية الجنائية لمرتكب الفعل المجّرم حتى وان كان هناك أمر من الرئيس الذي تجب طاعته بتنفيذه. ولكن هذا لا يعني ان مبدأ تنفيذ أمر الرئيس الذي تجب طاعته ليس له قيمة قانونية، بل انه يعد عند توافر شروط معينة سبباً نافياً للإسناد المعنوي –أي سبباً للدفع بعدم المسؤولية– كما في حالة الاكراه المعنوي فلا تقوم المسؤولية ولا يوقع العقاب. فغالباً ما يترتب على تنفيذ أمر الرئيس الاعتقاد بشرعية الفعل على أساس افتراض المرؤوس في رئيسه الدراية القانونية والخبرة بما تقتضي به أحكامه ، مما يؤدي الى انتفاء أحد عناصر القصد الجنائي وهو العلم، وبانتفاء القصد الجنائي تنتفي المسؤولية التي يتطلبها القانون.

ولا يعذر المرؤوس اذا كانت الصفة غير المشروعة لأمر الرئيس ظاهرة على نحو لا يحتمل الشك كالأمر بقتل المدنيين المسالمين. فالعلم بالصفة غير المشروعة هنا يتلازم والاهلية القانونية بحيث لا يتصور أن يجهلها شخص له الملكات الذهنية المعتادة". وهذا ما ورد في تقرير اللجنة الدولية لا صلاح وتطوير القانون الجنائي المقدم لمؤتمر جمعية كمبردج في 14/11/1941 والذي تم إقراره في 15 / يوليو  / 1942والذي بين أن "أمر الرئيس لا يمكن التمسك به إذا كان ظاهر المخالفة للقانون". وقد يعد مبدأ تنفيذ أمر رئيس تجب طاعته أساساً لتوافر الاكراه المعنوي أو حالة الضرورة ، فالمرؤوس لاسيما الجندي يتعرض لجزاء شديد إن لم ينفذ أمر الرئيس ، واحتمالية توقيع هذا الجزاء يجسد صورة الخطر الجسيم الحال الذي يهدد المكره في أهم حقوقه كالحياة أو سلامة الجسد أو الحرية ، ومن ثم يعد تنفيذ الامر الصادر اليه هو الوسيلة الوحيدة المتوافرة أمامه ليتخلص من هذا الخطر. وعند إثبات هذهِ الحالة فلا بد من التسليم بانتفاء الركن المعنوي للجريمة وبالتالي لا يَعُد مستحقاً للعقاب.

وقد أكدت الكثير من المواثيق والقرارات والاحكام الدولية هذا الاتجاه. فعلى سبيل المثال: القرار الثاني للجمعية الدولية بلندن والصادر في كانون الاول سنة 1943 "الخاص بوجوب مساءلة أجهزة الدولة المعتدية كافة دون اعتبار وظائفهم بما في ذلك رئيس الدولة ، وعدم اعتبار أمر الرئيس مانعاً من موانع المسؤولية أو العقاب الا إذا توافرت فيه شروط حالة الضرورة بالنسبة للمرؤوس". وقد اخذت لائحة محكمتي نورمبرج وطوكيو بهذهِ القواعد، فقد نصت المادة (8) من لائحة محكمة نورمبرج على أنه "لا يعد سبباً معفياً من المسؤولية دفاع المتهم بأنه كان يعمل بناء على تعليمات حكومته أو بناء على أمر رئيس أعلى ، وانما قد يعد هذا سبباً مخففاً للعقوبة التي رأت المحكمة أن العدالة تقتضي ذلك" وقد نحت المادة (6) من لائحة محكمة طوكيو هذا المنحى أيضاً. كما وأخذ بهذا الاتجاه أيضاً نظام الرقابة للحلفاء رقم (10) لسنة 1945.

كذلك نصت المادة (4) من مشروع قانون الجرائم ضد سلام وأمن البشرية على أن "لا يعفى من المسؤولية في القانون الدولي المتهم في جريمة من الجرائم المنصوص عليها في هذهِ المجموعة اذا كان يعمل بناءً على أمر حكومته أو رئيسه الاعلى وذلك بشرط أن يكون لديه مكنة عدم إطاعة الامر في الظروف التي ارتكب فيها الفعل". اما المادة (33) من نظام روما الاساسي فتنص على "1- في حالة ارتكاب أي شخص لجريمة من الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة ، لا يعفى الشخص من المسؤولية الجنائية اذا كان ارتكابه لتلك الجريمة قد تم امتثالا لأمر حكومة أو رئيس ، عسكرياً كان أو مدنياً عدا في الحالات التالية: - (أ) اذا كان على الشخص التزام قانوني بإطاعة أوامر الحكومة أو الرئيس المعني. (ب) اذا لم يكن الشخص على علم بأن الامر غير مشروع (ج) اذا لم تكن عدم مشروعية الامر ظاهرة. 2- لأغراض هذهِ المادة ، تكون عدم المشروعية ظاهرة في حالة أوامر ارتكاب جريمة الابادة الجماعية أو الجرائم ضد الانسانية".

في هذا النص لابد من توافر شروط معينة لإمكانية الدفع بعدم المسؤولية. هذهِ الشروط تتجسد بـ:- "(1) وجود التزام قانوني بإطاعة اوامر الحكومة او الرئيس المعني يوجب على الشخص تنفيذ هذهِ الاوامر وعقابه اذا امتنع عن ذلك. (2) ان لا يكون هذا الشخص قد علم بأية صورة بأن المطلوب منه تنفيذ فعل غير مشروع لأنه والحالة هذهِ يكون ملزماً بالواجب القانوني بتفادي ارتكاب هذهِ الافعال من دون الالتزام بطاعة الرؤساء غير المشروعة. (3) تكون عدم المشروعية ظاهرة ولا يجوز الاحتجاج بعدم العلم بها اذا كان الامر الصادر اليه يتضمن ارتكاب جريمة ابادة جماعية او جريمة ضد الانسانية وبذلك فأن الاستثناءات الواردة على الدفع بعدم المسؤولية تبدو هي الاصل على نحو يصح أن يوصف بالأصل هو عدم جواز الدفع بطاعة الرؤساء في ارتكاب الجرائم المنصوص عليها في نظام روما الاساسي الا في الحالات المذكورة ، الامر الذي يصح وصف هذهِ الاحكام بانها تقرر قاعدة (واجب عدم الطاعة) لا وامر الرؤساء ومن ثم رفض تنفيذها ، ولاسيما ان ارتكاب جريمتين من الجرائم المنصوص عليها في النظام الاساسي وهما جريمة الابادة الجماعية والجريمة ضد الانسانية بحد ذاتهما تكون عدم المشروعية في ارتكابهما ظاهرة ولا يشملهما الدفع بعدم المسؤولية. وعليه فأن الاستثناء المذكور المتضمن عدم جواز الدفع بعدم المسؤولية عن ارتكاب جريمة الابادة الجماعية والجرائم ضد الانسانية لا يشمل جرائم الحرب ولا جرائم العدوان بحيث يمكن الاحتجاج بهذا الدفع فيهما في حالة دخول جريمة العدوان مستقبلاً في اختصاص المحكمة الجنائية الدولية".

ولا يعني هذا الدفع بإطاعة أوامر الرئيس الاعلى ، إعفاء الرئيس الذي تجب طاعته من المسؤولية، فصحيح أن كبار المسؤولين لا يشاركون شخصياً في الانتهاكات الجنائية المرتكبة –في معظم الحالات– ولكن تجب محاكمتهم اذا كانوا قد أصدروا الأمر فعلياً بارتكاب مثل هذهِ الجرائم. فضلاً عن ان مبدأ مسؤولية القيادة يقضي بألقاء المسؤولية الجنائية على كل من يملك السيطرة على مرؤوسيه وكان يعلم أو كان عليه أن يعلم بأن جريمة ما توشك أن ترتكب ثم لم يمنع وقوعها أو لم يحاول منع وقوعها أو لم يعاقب المسؤولون عنها وينطبق هذا المبدأ على السلطات العسكرية وعلى المدنيين الذين يتمتعون بمواقع السلطة القيادية.

وقد عّدت اتفاقيات جنيف الانسانية لسنة 1949، الرئيس فاعلاً في الجريمة التي يرتكبها مرؤوسه اذا كان قد أصدر أمره له بارتكاب إحدى الجرائم الجسيمة (المواد 49-1 من الاتفاقية الاولى و50-1 من الاتفاقية الثانية و129-1 من الاتفاقية الثالثة و146-1 من الاتفاقية الرابعة).

خامساً / الدفاع الشرعي: -

وقد سبق أن أوضحناه في المبحث السابق في معرض شرحنا للأسباب التي تدفع المسؤولية عن الدولة. ولكن وان كان الأصل فيه انه مقرر للدولة المعتدى عليها تباشره عن طريق موظفيها الذين يستطيعون الاحتجاج به حينما تثور مسؤولياتهم عن أفعالهم، إلا إن الفرد العادي بإمكانه أيضا الاحتجاج بالدفاع الشرعي إذا ما ارتكب انتهاكاً جنائياً دولياً، كارتكابه انتهاكات لقوانين الحرب وعاداتها إذا ما كان في حالة دفاع شرعي.

وقد عدّ نظام روما الأساسي دفاع الفرد عن نفسه أو عن غيره سبباً من أسباب امتناع المسؤولية وذلك بموجب المادة (31-1/جـ) التي تنص على "1-…لا يسأل الشخص جنائياً إذا كان وقت ارتكابه السلوك. جـ- يتصرف على نحو معقول للدفاع عن نفسه أو عن شخص آخر أو يدافع، في حالة جرائم الحرب، عن ممتلكات لا غنى عنها لبقاء الشخص أو شخص آخر أو عن ممتلكات لا غنى عنها لإنجاز مهمة عسكرية، ضد استخدام وشيك وغير مشروع للقوة وذلك بطريقة تتناسب مع درجة الخطر الذي يهدد هذا الشخص أو الشخص الاخر او الممتلكات المقصود حمايتها. واشتراك شخص في عملية دفاعية تقوم بها قوات لا يشكل في حدّ ذاته سبباً لامتناع المسؤولية الجنائية بموجب هذهِ الفقرة الفرعية".

هذا النص اورد حكماً في آخره استثنى من الشمول بأحكام الدفاع الشرعي اشتراك شخص في عملية دفاعية تقوم بها قوات لا يشكل في حد ذاته سبباً لامتناع المسؤولية الجنائية. وهذا الحكم يشكل قيداً على القواعد العامة للقانون الجنائي الداخلي والقاضية بشمول الشريك بسبب التبرير الذي يكتنف فعل الفاعل الاصلي ، فضلاً عن عدم وجود ما يبرر هذا الاستثناء.

وقد طرحت مسألة غاية في الاهمية على مجموعة من أساتذة القانون الدولي مفادها هل تقبل قواعد المسؤولية الدولية حالة الدفاع الشرعي كسبب لتبرير جريمة العدوان أو جريمة الابادة الجماعية او جريمة الحرب ؟

وقد لخص البروفيسور "ايريك دافيد Eric David" الاجابات التي قدمت عن هؤلاء الاساتذة بأن "قواعد القانون والتعامل الدوليين يعدان الحرب العدوانية الجريمة الكبرى ، ولا يمكن قبول أي مانع من موانع المسؤولية الجنائية لمرتكبها كما ان الجرائم ضد الانسانية وجرائم الحرب لا يمكن قبول الدفاع الشرعي كدافع من دوافع المسؤولية الجنائية فيها لأن هذهِ الجرائم تتطلب ركناً معنوياً خاصاً لا يمكن الجمع بينه وبين الدفاع الشرعي ، اذ ان الدفاع الشرعي ناجم عن قانون مناهضة الحرب Jus Contra bellun وليس من قانون الحرب Jus in bello" وعليه فان مانع الدفاع الشرعي بصدد جريمة العدوان والجرائم ضد الانسانية وجرائم الحرب كما ورد في النظام الاساسي، لا يتفق وقواعد القانون الدولي ويمكن استغلاله لتبرير هذهِ الممارسات".

هذهِ هي اسباب الدفع بعدم المسؤولية للأفراد والتي نجد أن الاخذ بها على نطاق واسع يشكل خطورة بل وانتهاكاً جسيماً للحقوق التي قررت قواعد القانون الدولي الجنائي حمايتها. لذا نرتئي التقييد منها بل وعدم الاخذ بها في الانتهاكات التي تعد ذات خطورة جسيمة كالإبادة الجماعية والجرائم ضد الانسانية وجرائم الحرب لاسيما فيما يتعلق بالانتهاكات ضد حقوق الطفل ، لتأثير هذهِ الانتهاكات على شعوب بأكملها ما وُجِدَ القانون الدولي الا لحمايتها وحفظ السلام والامن الدوليين فيها.

 

المراجع

امجد هيكل ، المسؤولية الفردية امام القضاء الجنائي الدولي ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 2009.

رمزي رياض عوض ، المسؤولية الجنائية الفردية في المجتمع الحر ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 2001.

عبد الامير عبد الحسن ابراهيم ، 31.12.2015 ، طبيعة مسؤولية الفرد الجنائية عن ارتكاب الجرائم الدولية ، مجلة المنصور.

المقالات الأخيرة