اتساع نطاق الحرب بين إسرائيل وإيران
فرع القاهرة

دخلت الحرب التي اندلعت بين إسرائيل وإيران في 13 يونيو 2025 سريعاً مرحلة الضربات العسكرية والضربات المضادة فبعد أن قامت الأولى بشن هجمات عسكرية واسعة النطاق داخل الثانية استهدفت القيادات والمنشآت العسكرية والنووية عبر موجات جوية متتالية وعمليات استخباراتية نفذها عناصر جهاز "الموساد" على الأرض، بدأت الثانية في توجيه ضربات صاروخية على موجات متتالية تسببت في خسائر بشرية ومادية كبيرة داخل إسرائيل.

وبدأت الضربات المتبادلة بين إسرائيل وإيران تخرج من عباءة الليل إلى وضح النهار، ما يعني أن نار التصعيد العسكري بدأت تتزايد وقد تخرج عن نطاقها،لذلك بدأت إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب تمارس الضغط على طهران عبر الوسطاء من أجل العودة إلى طاولة المفاوضات، خشية على خططها تجاه منطقة الشرق الأوسط التي هي جزء من استراتيجية ترامب التجارية نحو العالم.

مسارات الحرب المحتملة

وحتى الآن، وبعد مرور أكثر من 48 ساعة على اندلاع الحرب، يمكن القول إنها ما زالت منحصرة بين إسرائيل وإيران، حيث لم تنخرط فيها أطراف أخرى بشكل مباشر أو على نطاق واسع وواضح وفي الواقع فإن احتمال تحولها إلى حرب إقليمية واسعة النطاق ما زال قائماً، لكنه سوف يعتمد على متغيرات عديدة سوف تحدد بدرجة كبيرة المسارات المحتملة التي يمكن أن تتجه إليها هذه الحرب في النهاية، ويتمثل أبرزها في:

1- استهداف محتمل للمصالح الأمريكية: وجّهت إيران تحذيرات مباشرة إلى كل من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا من عواقب أي تدخل واضح لدعم إسرائيل في الحرب الحالية، مشيرة إلى أن ذلك سيدفعها إلى استهداف مصالحها المباشرة في المنطقة. إيران تسعى عبر ذلك إلى تحييد هذا التدخل وحصر الحرب الحالية مع إسرائيل فقط.

وتُعوِّل طهران في هذا الصدد على أن قدرتها على استيعاب تداعيات الضربات العسكرية الإسرائيلية وعلى مواصلة هجماتها الصاروخية المضادة سوف تعزز موقفها ويزيد من تمسكها بالمقاربة التي تتبناها من البداية إزاء البرنامج النووي الذي كان العنوان الرئيسي لهذه الحرب، رغم أن هناك أسباباً أخرى عديدة كان له دور رئيسي في نشوبها في هذا التوقيت.

لكن رغم ذلك، لا يمكن استبعاد أن يحدث خطأ في الحسابات أو تقع أحداث غير متوقعة، على غرار مقتل أو إصابة أمريكيين في إسرائيل جراء الهجمات الصاروخية الإيرانية المتتالية وقد أشار السفير الأمريكي في إسرائيل مايك هاكابي إلى وجود 700 ألف أمريكي يعيشون في إسرائيل، واصفاً الهجمات التي تشنها إيران داخل إسرائيل بأنها هجمات ضد هؤلاء المواطنين.

وهنا، وفي هذه الحالة، فإن الولايات المتحدة الأمريكية قد تتدخل في الحرب وتوجه ضربات عسكرية قوية ومؤثرة داخل إيران. وقد بدأت واشنطن بالفعل في توجيه تحذيرات مضادة في هذا الصدد إلى طهران، بالتوازي مع تأكيدها على أنها لم تنخرط في الضربات العسكرية الأولى التي وجهتها إسرائيل ضدها.

2- توسيع نطاق الضربات المتبادلية: إلى الآن، ركزت الضربات العسكرية المتبادلة بين إيران وإسرائيل على المنشآت العسكرية والنووية وربما بعض المنشآت النفطية، لكن استهداف الأخيرة ما زال في نطاق محدود، لا سيما أن هذه المنشآت تحظى بحساسية خاصة لدى كلا الطرفين.

لكن إسرائيل بدأت تمعن في استهداف المنشآت النفطية ومحطات الطاقة الإيرانية، وهو ما يمكن أن يفرض ضغوطاً قوية على إيران، التي قد تتجه في هذه الحالة إلى توجيه ضربات عسكرية ضد منشآت الطاقة في إسرائيل، فضلاً عن أنها قد تهاجم المنشآت النفطية في بعض الدول، بكل ما يمكن أن يفرضه ذلك من ارتدادات مباشرة على أسعار النفط العالمية والتي سوف تصل سريعاً إلى الأسواق الدولية، على غرار ما حدث في بداية اندلاع الحرب الروسية – الأوكرانية في 24 فبراير 2022.

3- مدى إقدام إيران على استخدام أوراق ضغط جديدة:تسعى إيران خلال المرحلة الحالية إلى رفع كُلفة الحرب التي تشنها إسرائيل ضدها والخسائر التي تعرضت لها في اليومين الأولين منها، ولا سيما بعد اغتيال القيادة العسكرية الرئيسية في الحرس الثوري والجيش. وهنا، فإن المسألة قد لا تقتصر على توجيه هجمات صاروخية جديدة ضد إسرائيل، على غرار الهجمات التي شنتها في اليومين الأولين، وإنما قد تمتد إلى خيارات أخرى، مثل الإقدام على إغلاق مضيق هرمز أو التأثير على حركة الملاحة في باب المندب والبحر الأحمر. وقد أشار عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الإيراني إسماعيل كوثري، في 14 يونيو الجاري، إلى أن إغلاق المضيق بات قيد الدراسة في الوقت الحالي.

ومن دون شك، فإن هذا الخيار سوف ينتج بدوره انعكاسات مباشرة على صادرات الطاقة من المنطقة إلى العالم وسيُحدِث تأثيراً مباشراً على المستوى الدولي – كما سبقت الإشارة – وهو ما قد يدفع دولاً أخرى – مثل الولايات المتحدة الأمريكية – إلى التدخل من أجل منع إيران من الاستمرار في تهديد حركة التجارة والملاحة في الخليج العربي والبحر الأحمر، على نحو قد يؤدي إلى اندلاع مواجهات بحرية أو تصعيد عسكري بين القوات الأمريكية والبحرية الإيرانية، التي تمتلك قدرات عسكرية ليست هينة.

4- احتمالات تدخل المليشيات المسلحة لصالح إيران: لم تتدخل المليشيات الموالية لإيران بشكل مباشر وواضح حتى الآن، حتى رغم ورود تقارير عن إطلاق صواريخ من لبنان وقطاع غزة واليمن. وفي الواقع، فإن مستوى انخراط هذه المليشيات في الحرب الحالية – إن حدث - سوف يكون متبايناً إلى حد كبير في ظل الأوضاع الميدانية المختلفة لكل منها. فحزب الله يتعرض لضغوط قوية في الداخل حالياً فضلاً عن أن انخراطه في الحرب بإطلاق صواريخ ضد إسرائيل سوف يدفع الأخيرة إلى التدخل بقوة ضده مجدداً. كما أن انخراط حماس في الحرب سوف يكون في حده الأدنى.

 

 

 

التصعيد العسكري يهدد باتساع دائرة الحرب

كانت الضربات العسكرية المتبادلة لا سيما من جانب إيران تتركز تحت غطاء الليل، خشية من عملاء الموساد داخل إيران الذين يراقبون منصات الصواريخ الثابتة والمحمولة وكذلك من أجل تقليل الخسائر البشرية لدى الجانب الإسرائيلي حيث يكون الإسرائيليون ليلًا في الملاجئ، وذلك خشية من عمليات انتقامية مماثلة تجاه الإيرانيين.

لكن الضربات الصاروخية الإيرانية بدأت تنطلق نهارًا ردًا على الهجمات التي تشنها المقاتلات الإسرائيلية نهارًا، بجانب العمليات التخريبية التي يشنها عملاء الموساد في المرافق العامة وزرع القنابل في الشوارع والسيارات المفخخة.

وهنا، فإن التدخل الأكثر ترجيحاً سوف يكون من جانب المليشيات الشيعية في العراق ومليشيا الحوثيين في اليمن. وإذا كانت الأخيرة حريصة على مواصلة هجماتها الصاروخية ضد إسرائيل قبل اندلاع الحرب الحالية وخلالها (شنت هجوماً صاروخياً في اليوم الثاني للحرب)، فإن الأولى ما زالت في وضع الاستعداد، وبانتظار ضوء أخضر من جانب طهران. لكنها في الوقت نفسه تضع في اعتبارها أن تدخلها في الحرب قد يعني تعرضها لضربات قوية من جانب إسرائيل أو الولايات المتحدة الأمريكية، والتي تحسبت لهذا الاحتمال قبل اندلاع الحرب عبر الإيعاز إلى دبلوماسييها وموظفيها في سفارتها لدى بغداد بمغادرتها.

طول أمد التصعيد العسكري بين إسرائيل وإيران يهدد باتساع دائرة الحرب، إذا شعرت القوى الدولية والإقليمية بمخاطر هذه الحرب على أمنها ومصالحها، إذ بعدما أعلنت باكستان مساندتها لطهران أمام الهجمات الإسرائيلية، نقل موقع نامه نيوز الغيراني، الأحد 15 يونيو، خبر هبوط ثاني طائرة شحن عسكرية صينية في إيران. وإن كان من المستبعد تورط الصين بشكل مباشر في هذه الحرب، لكنها ستدعم عدم سقوط النظام في إيران لحماية مصالحها التجارية معها.

كذلك اضطرت طائرة مقاتلة بريطانية من طراز إف-35، كانت قد انطلقت إلى المنطقة لاعتراض طائرات إيرانية مُسيّرة من حاملة الطائرات “أمير ويلز”، إلى الهبوط اضطراريًا في مطار تريفاندروم المدني بالهند بسبب نقص الوقود وهو ما يضع الهند في دائرة عداء مع إيران وباكستان والصين.

فيبدو أن ترامب بعدما أعطى الضوء الأخضر لرئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو لمهاجمة إيران، يسعى أن يضع إسرائيل وإيران أيضًا في مواجهة مشتركة على طاولة المفاوضات، فقد كتب على منصة “تروث سوشيال”، الأحد 15 يونيو 2025: “يجب على إيران وإسرائيل التوصل إلى اتفاق، وسيفعلان ذلك، تمامًا كما أجبرتُ الهند وباكستان على التوصل إلى اتفاق”.

وتابع ترامب: “سنحقق السلام قريبًا بين إيران وإسرائيل! هناك العديد من الاتصالات والاجتماعات. أقوم بالكثير من العمل، لكنني لا أنسبه لنفسي، لكن لا بأس، فالناس يتفهمون. لنجعل الشرق الأوسط عظيمًا من جديد!”.

حسب تقرير وكالة إيسنا الإيرانية، الأحد 15 يونيو 2025، فقد أعلن كيريل دميترييف، الممثل الخاص للرئيس الروسي للاستثمار والتعاون الاقتصادي مع الدول الأجنبية، على منصة التواصل الاجتماعي X، أن روسيا وافقت على لعب دور الوسيط في هذه الحرب.

وحسب بيان الخارجية القطرية، الأحد أيضًا، أصدرت سلطات ​قطر​ و​فرنسا​ بيانًا مشتركًا، حيث شددتا فيه على “أننا ندعم حلا دبلوماسيا يفضي إلى اتفاق يعالج الهواجس بشأن أنشطة ​إيران​ النووية مقابل رفع العقوبات”.

على ضوء ما سبق، يمكن القول في النهاية إن النتائج المحتملة التي يمكن أن تنتهي إليها تلك الحرب سوف تعتمد على متغير رئيسي يتعلق بمدى قدرة طرفيها على استيعاب الخسائر التي تعرض لها، وعلى توجيه مزيد من الضربات القوية للطرف الآخر. ورغم أن الطرفين أثبتا بالفعل قدرتهما على استيعاب الضربات وتوجيه ضربات مضادة حتى هذه اللحظة، فإن ذلك قد لا يستمر مع استمرار الحرب وتطور الوضع الميداني بين الطرفين.

هنا، فإن هذا المتغير لن يكون له الدور الأبرز في ضبط مسارات تلك الحرب فحسب، وإنما، وربما يكون ذلك هو الأهم، سيكون له الدور الأبرز في تحديد مدى إمكانية انخراط أطراف أخرى فيها، سواء كانت دولاً أو تنظيمات، وهو المسار الذي ما زال قائماً وبقوة، في ظل اتساع نطاق الحرب الحالية تدريجياً وانتقالها من المستوى العسكري والنووي إلى المستوى الاقتصادي الذي يفرض ضغوطاً قوية على كلا الطرفين.

 

 

المصدر: مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

الكاتب : د. محمد عباس ناجي

التاريخ :15/6/2025

---------------------------------------------

المصدر: صحيفة رؤية الأخبارية

الكاتب : يوسف بنده

التاريخ : 15/6/2025

المقالات الأخيرة