التدخل الباكستاني في الصراع الإيراني الإسرائيلي
فرع القاهرة

أعلنت باكستان بعد يوم واحد من اندلاع الحرب بين إيران وإسرائيل في 13 يونيو 2025 عن دعمها “الكامل” لطهران، وجاءت هذه التصريحات على لسان رئيس وزراء باكستان، شهباز شريف، ووزير دفاعه، خواجه محمد آصف، بالتزامن مع انتشار تقارير تزعم إرسال باكستان 750 صاروخًا من طراز “شاهين” بعيد المدى إلى إيران لدعمها في حربها مع الجانب الإسرائيلي، وإن كانت باكستان نفسها قد نفت صحة هذه التقارير، كما أنها سبقت قرار مجلس الشيوخ الباكستاني يوم 15 يونيو الجاري بإدانة الهجمات الإسرائيلية على إيران.

وفي الوقت نفسه، هاتف شهباز شريف الرئيسَ الإيراني، مسعود بزشكيان، وأكد له على أن “العدوان الإسرائيلي على الشعب الإيراني الشقيق غير مبرر”، كما حثّ خواجه محمد آصف الدول الإسلامية على دعم إيران في مواجهة إسرائيل، قائلًا: إن “إسرائيل استهدفت إيران واليمن وفلسطين، وإذا لم تتحد الدول الإسلامية في الوقت الراهن فيما بينها، فإنها ستواجه المصير نفسه” وأكد آصف على متانة العلاقات بين طهران وإسلام آباد، موضحًا أنه “نحن إلى جانب طهران، وسوف ندعم مصالحها في كل المنصات الدولية”.

وفي ضوء ذلك، تثير هذه التطورات والتفاعلات من جانب باكستان إزاء الحرب الإيرانية الإسرائيلية تساؤلات بشأن مدى الانخراط الجدي الباكستاني المحتمل في مشهد هذا الصراع بين القوتين الشرق أوسطيتين، على الرغم من أن الخلافات الباكستانية الإيرانية متعددة، سواء على الجانب الأمني وتحديات الإرهاب أو العرقي والحدود الجنوبية المشتركة هذا إلى جانب أن تدخلًا باكستانيًا بالأساس على خط المواجهة قد يدفع الولايات المتحدة على الأغلب للوقوف بشكل أكبر إلى جانب إسرائيل وانخراط قوى آسيوية أو أوروبية أخرى في ذلك الصراع. وانطلاقًا مما سبق، نتطرق فيما يلي للبحث في حدود الانخراط الباكستاني المحتمل في الهجمات العسكرية المتبادلة بين إيران وإسرائيل.

دوافع الإعلان الباكستاني

تثير التصريحات الواردة من إسلام آباد بشأن دعمها “الكامل” لإيران في حربها ضد إسرائيل تساؤلاتٍ بشأن أسباب هذا الدعم الباكستاني في هذا التوقيت، مع الأخذ في الحسبان أن الهجمات الإسرائيلية على إيران لم تكن تستهدف باكستان أو منشآتها، بل لم تكن هناك حتى توقعات أو تقديرات بهذا الشأن وعليه نسرد فيما يلي محفزات الدعم الباكستاني لإيران في مواجهة إسرائيل، وذلك على النحو التالي:

موازنة الدعم الإسرائيلي للهند: يكمن المحفز الأساسي من وراء إقدام باكستان على إعلان دعمها لإيران في مواجهتها مع إسرائيل في سعي إسلام آباد إلى الرد على إسرائيل وموازنة دعم الأخيرة للهند في صدامها العسكري الأخير مع باكستان والذي كان قد جرى في مايو 2025. يعني هذا أن باكستان أرادت أن تتعامل بالمثل مع إسرائيل في إطار صراع الطرفين مع “الخصوم”.

وهنا، نرى أن باكستان دخلت على خط مشهد الحرب الإيرانية الإسرائيلية بالسرعة نفسها التي تعاملت بها إسرائيل مع المواجهات الهندية الباكستانية في مايو الماضي. فقد أعلنت إسرائيل يوم 7 مايو 2025 عن وقوفها إلى جانب الهند ضد باكستان، وقال السفير الإسرائيلي في الهند، رئوفين عازار، آنذاك: إن “إسرائيل تدعم حق الهند في الدفاع عن نفسها”، مؤكدًا على “دعم إسرائيل للضربات الهندية”؛ مما أثار استفزاز باكستان بشدة وقتها. وقد ذهب عازارا وقتها إلى وصف الباكستانيين بـ  الإرهابيين” حينما صرح بأنه “يجب أن يعلم الإرهابيون أنه لا مكان للاختباء من جرائمهم الشنيعة ضد الأبرياء”.

وما دفع باكستان إلى مزيد من الغضب تجاه الموقف الإسرائيلي هو أن الهند تُعد من أكبر مستوردي السلاح الإسرائيلي في العالم، وأن كثيرًا من الأسلحة التي استخدمتها نيودلهي ضد إسلام آباد في صدامهما الأخير في العام الجاري كانت صناعة إسرائيلية بالأساس، وذلك مثل مسيّرات “Harop” الإسرائيلية التي تمكن الباكستانيون من إسقاط عدد كبير منها خلال الصدام العسكري الأخير المُشار إليه. 

فقد مثلت صفقات السلاح بين إسرائيل والهند متوسط 8% من النسبة الإجمالية لواردات نيودلهي من السلاح حول العالم خلال الفترة (2000 – 2005) بوجه عام، وفقًا لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام. فقد كانت تلك النسبة 15% خلال الفترة (1997 – 2000) ووصلت إلى 27% بعد عام 2005 وصولًا إلى عام 2010. وارتفعت نسبة استيراد الهند للسلاح الإسرائيلي بنسبة 19% خلال الفترة (2012 – 2021). 

وتزايدت نسبة صادرات السلاح الإسرائيلي إلى نيودلهي بشكل كبير للغاية خلال الفترة (2015 – 2019)، وذلك بحوالي 175% عما سبقها من سنوات. ومع وصول رئيس الوزراء الهندي الحالي، ناريندرا مودي، إلى السلطة في الهند عام 2014، كانت حوالي نصف صادرات السلاح الإسرائيلي إلى الخارج قد هبطت في الهند، بنسبة 42.1%. 

وعلى أي حال، فإن ما يزيد من رغبة باكستان في موازنة ذلك الدور الإسرائيلي الذي قدّم الدعم العسكري لنيودلهي مؤخرًا هو أن القوات العسكرية الهندية المنتشرة في إقليم كشمير المتنازع عليه بين البلدين مسلحة بعتاد عسكري إسرائيلي، وهو في الواقع حلقة من سلسلة التعاون الأمني والاستخباراتي والعسكري طويل المدى بين الهند وإسرائيل والذي يعود لسنوات طويلة خلت. وفي هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى أن مبيعات الأسلحة الإسرائيلية إلى الهند قد بلغت خلال العقد الأخير فقط حوالي 3 مليارات دولار أمريكي.

مخاوف باكستان من استهداف برنامجها النووي

منذ اندلاع الحرب الإيرانية الإسرائيلية في يونيو 2025، لم تخف الأوساط المحلية في باكستان قلقها بشأن أن مشروعها النووي –إلى جانب الدولة الباكستانية ككتلة متماسكة– قد يكون الهدف التالي لإسرائيل والولايات المتحدة التي تشهد علاقاتها مع إسلام آباد خلال السنوات الأخيرة توترات متصاعدة إثر اتهامات أمريكية بإيواء إرهابيين؛ مما شجّع الباكستانيين على استباق المشهد والتهديد بالتدخل من أجل الحفاظ على المشروع النووي الإيراني أو عدم السماح بسقوط النظام في طهران كي لا تكون هي الوجهة التالية.

وتعززت هذه المخاوف الباكستانية مع انتشار مقطع فيديو قديم لرئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي، بنيامين نتنياهو، خلال مقابلة صحفية له لقيت صدى واسعًا في إسلام آباد شدد فيه نتنياهو على رفض إسرائيل امتلاك أي دولة إسلامية للسلاح النووي؛ حيث قال إن إسرائيل تريد “منع امتلاك أي نظام إسلامي أسلحة نووية”. وأضاف نتنياهو أنه لن يتم السماح، على وجه الخصوص، لـ “الأنظمة المتشددة”، حسب تعبيره، بامتلاك –وليس حتى تصنيع– أي أسلحة نووية أو سواء كان ذلك عن طريق إنتاجها في الداخل أو استيرادها من الخارج. 

وأضاف نتنياهو في المقابلة الصحفية أن “إيران هي الهدف الأول، وثانيًا باكستان”، معللًا ذلك بالقول “لأنه إذا امتلكت هذه الأنظمة المتطرفة أسلحة نووية، فلن تلتزم بالقيود التي تم الالتزام بها طيلة 7 عقود”.

ويمكن القول إن هذه المخاوف الباكستانية الأخيرة قد عززت من دوافع إسلام آباد من أجل محاولة التدخل على خط الأزمة الإيرانية الإسرائيلية على الرغم من أن هذا التطور الباكستاني يبدو أنه تراجع وواجه ضغوطًا غير معلنة؛ إلا أن باكستان استشعرت الخطر على مشروعها النووي هي الأخرى.

آفاق مستقبل العلاقات مع إيران بعد الحرب

يبدو أن أحد أهم الأسباب من وراء إعلان باكستان دعمها “الكامل” لإيران في حربها ضد الشرق الأوسط تتمثل في مسعى باكستاني لتعزيز العلاقات مع إيران بعد انتهاء هذه الحرب مع إسرائيل، وهو الأمر ذاته الذي تقوم به بعض الدول الأخرى في المنطقة في الوقت الراهن؛ حيث تريد الاستفادة من هذا الموقف العسكري في دعم علاقاتها مع إيران لاحقًا؛ بما يحقق لهذه الدول مصالحها الاستراتيجية. 

وباكستانيًا، تجيء الخلافات واسعة مع إيران على إثر استمرار أزماتهما في بعض الملفات المُشار إليها آنفًا، مثل المشكلات الحدودية ومسائل القضايا الأمنية والعرقية. وعلى سبيل المثال، تتخذ بعض الجماعات المناوئة لأنظمة الحكم في البلدين من أراضي الطرف الآخر مأوى لها؛ مما يعني أن الأمر يستوجب من الدولتين التعاون سويًا في هذا الملف بل وإن هذا الملف وحده يمتد إلى خارج الأراضي الإيرانية والباكستانية إلى إقليم آسيا الوسطى المجاور وأفغانستان أيضًا التي تحتاج إيران إلى الطرف الباكستاني القوى والنافذ بها للتعاون معها في مجالات عدة بداخلها من أجل المصالح القومية الإيرانية.

لذا، ترتكن الاستخبارات الباكستانية القوية على ما يبدو على ترجيح سيناريو عدم سقوط النظام في طهران، ولذلك تحاول التمهيد لمستقبل زاخر بالتعاون القوي مع الجمهورية الإسلامية.

محدودية التدخل الباكستاني في الصراع

تذهب العديد من وسائل الإعلام الإقليمية –بل وحتى بعض تلك الإسرائيلية– إلى أن باكستان سوف تنخرط بشكل كبير في الصراع الإيراني الإسرائيلي، إلا أن توازنات القوى الداخلية في باكستان والخارجية على المستوى الدولي، إلى جانب طبيعة العلاقات الباكستانية الخارجية سوف تحول على الأغلب دون حدوث تطور مثل هذا، وذلك للأسباب التالية:

- تجنب سيناريو الاشتباك العسكري مع الولايات المتحدة: تنفي معطيات عدة إمكانية تدخل باكستان في الصراع العسكري الإيراني الإسرائيلي، ومن بين أبرز هذه المعطيات هي إدراك إسلام آباد أن تدخلها على خط المواجهات بين الطرفين سوف يستدعي على الأغلب انخراطًا عسكريًا مباشرًا من جانب الولايات المتحدة الأمريكية – وربما من جانب الدول الأوروبية الأخرى– مما سيعني حينئذ إضعاف أو تدمير الجيش الباكستاني أو حتى امتداد تداعيات ذلك إلى إسقاط الدولة الباكستانية نفسها وتفككها. 

وتتزايد المخاوف هنا عند النظر إلى أن مثل هذا التدخل الباكستاني سوف يواجَه برد عسكري أمريكي قوي وواسع، وقد يفتح معه الباب لدخول أطراف دولية أخرى –مثل روسيا والصين– في الصراع حينئذ؛ مما سيقود حتمًا إلى حرب عالمية قد تكبر أو تصغر حسب معطيات الأمر الواقع في هذه الحالة.

- متانة العلاقات بين الجيش الباكستاني والأمريكي: يستحوذ الجيش الباكستاني على مكانة وقوة كبيرة في المجال السياسي داخل باكستان وتربط هذا الجيش علاقات استراتيجية وتعاون قوي طويل المدى مع الولايات المتحدة الأمريكية، سوف تمنع معه هذه العلاقات من دخول الجيش أو أي قوات أمنية أو عسكرية باكستانية في الصراع بين إيران وإسرائيل. إذ أنه على الرغم من التوتر في العلاقات السياسية بين الحكومة في إسلام وواشنطن، فإن علاقات الجيش الباكستاني والولايات المتحدة لم تتأثر، ولا يزال التعاون سيد الموقف بين الجانبين.

- احتمالية الإطاحة بحكومة شهباز شريف: على غرار ما جرى مع حكومة رئيس الوزراء الباكستاني السابق، عمران خان، من تنحيته عن الحكم بعد وقوفه ولو سياسيًا إلى جانب روسيا في حربها التي لا تزال جارية مع أوكرانيا، تدرك حكومة رئيس الوزراء في باكستان شهباز شريف، أنها يمكن أن تلقى –ويواجه هو–مصير حكومة عمران خان نفسه، مع وجود احتمالات أخرى بالاغتيال إذا ما أقدم على توريط بلاده في حرب مع إسرائيل أو حلفائها. بل إننا قد نجد في هذا الوقت انقلابًا سريعًا على حكومة شريف. لذا، ستفكر حكومة إسلام آباد مراتٍ ومراتٍ قبل اتخاذ خطوة مثل دعم طهران في حربها ضد إسرائيل.

ختاما، تقودنا المعطيات السابقة إلى الاعتقاد بشدة بأن تصريحات المسئولين الكبار في باكستان بشأن دعم الموقف الإيراني ما هي إلا للرد على إسرائيل بعد موقفها الأخير الداعم للهند في مواجهاتها العسكرية الواسعة التي اندلعت مع باكستان في مايو 2025 وأن التصريحات الباكستانية تنحصر على مستوى الخطاب وكذلك، فإننا نستنتج أن طبيعة الصراع الباكستاني الهندي قد انعكس على نظيره بين إيران وإسرائيل. وعليه، فإن التصريحات الباكستانية المُشار إليها في هذا الصدد تندرج في إطار “المعاملة بالمثل” مع وجود قيود وحدود واسعة على أي دور باكستاني محتمل في الصراع الإيراني الإسرائيلي.

 

المصدر: المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية

الكاتب: علي عاطف

التاريخ: 22/6/2025

----------------------------------------------------

المصدر: موقع ستراتيجيكس

التاريخ: 18/6/2025

المقالات الأخيرة