رغم التحذيرات الإيرانية والدولية، للولايات المتحدة من الانخراط في النزاع الدائر مع إسرائيل، جاء تصعيد خطير بين الولايات المتحدة والجمهورية الإسلامية “إيران”، جاء هذا الانخراط الأمريكي بشكل مباشر في الحرب، مع إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن الجيش الأمريكي نفذ “هجومًا ناجحًا جدا” استهدف ثلاثة مواقع نووية إيرانية، أهمها فوردو ونطنز وأصفهان. وأكد ترامب أن الجيش الأمريكي دمر “بشكل تام وكامل” ثلاث منشآت نووية رئيسية في إيران، محذراً من ضربات أقسى “إذا لم تسع طهران إلى السلام، أو إذا قررت الرد”. وتمتلك الولايات المتحدة قواعد عسكرية في 19 موقعًا على الأقل في منطقة الشرق الأوسط، تستضيف ما يتراوح بين 40 إلى 50 ألف جندي أمريكي.
في واقع الأمر إن إيران أمام معادلة معقدة، بين ضرورة الحفاظ على هيبتها الإقليمية والرد على انتهاك سيادتها، وبين تجنب الانزلاق إلى مواجهة قد تجر البلاد إلى حرب مدمّرة. لذلك يواجه النظام الإيراني تحديًا كبيرًا في الردود الانتقامية التي من الممكن أن تستهدف القواعد الأمريكية في المنطقة، فضلاً عن إمكانية تعطيل حركة نقل النفط العالمية في مضيق هرمز، الذي يعتبر ممراً حيويا لشحن النفط. حيث تملك إيران شبكة واسعة من الحلفاء والميليشيات في المنطقة، وقد تلجأ لاستخدام هذه الأدوات لتنفيذ هجمات غير تقليدية على مصالح أمريكية أو سفارات أو منشآت اقتصادية في دول قريبة منها أو البحر الأحمر.
هشاشة النظام الإيراني:
أثار الدور البارز لعملاء جهاز “الموساد” الإسرائيلي في تنفيذ ضربات نوعية داخل الأراضي الإيرانية، طالت قيادات بارزة وعلماء نوويين ومواقع عسكرية حساسة، تساؤلات عديدة حول أسباب إخفاق الأجهزة الأمنية الإيرانية في كشف وتعقب “جواسيس” الاستخبارات الإسرائيلية طوال السنوات الماضية.
لم يكن الهجوم الإسرائيلي على طهران رد فعل عابر، بل ثمرة خطة محكمة وعمليات استخبارية طويلة الأمد، تضمنت “زرع” طائرات مسيرة مفخخة داخل العمق الإيراني، وتجهيز بنى تحتية سرية تم تفعيلها في اللحظة المناسبة، وهو ما يمثل اختراقا أمنيًا غير مسبوق للسيادة الإيرانية. وأوضحت تقارير إسرائيلية أن عناصر من الموساد زرعوا أسلحة دقيقة قرب بطاريات الدفاع الجوي الإيراني، تم تفعيلها بالتزامن مع بدء القصف، مما ساهم في تحييد تلك الأنظمة. لقد جهز الموساد مركبات داخل إيران بأنظمة هجومية متقدمة، تم تركيبها سرًا لاستهداف القدرات الدفاعية الإيرانية من الداخل.
وهنا الملاحظ ومن المرجح أيضاً أن غالبية العملاء هم من الإيرانيين الذين تم تجنيدهم، وظهر حجم اختراق الموســاد للدولة الإيرانية، مع وجود عشرات الألوف من اليهود الإيرانيين، الذين وإن لم يعلنوا في العلن الولاء لإسرائيل، لكنهم لا يعادونها، وبينهما علاقات سرية اتضحت لاحقاً بـحجم الاختراق للدولة الإيرانية، ولتلك الطائفة مميزات وحماية وهامش من الحرية كـأحقية بناء معابد لهم، ومؤسسات خدماتية، والحق في تعليم أبنائهم ديانتهم في مدارسهم. وعليه، إن الاختراقات الإسرائيلية في إيران ليست وليدة اللحظة، بل تعود إلى سنوات مضت، وتعمقت تدريجيًا مع تصاعد التوترات بين البلدين. استطاعت إسرائيل تجنيد عملاء داخل مؤسسات إيرانية حساسة أغلبهم من الإيرانيين، ليس فقط داخل الأجهزة الأمنية، بل حتى في صفوف الحرس الثوري ومؤسسات الدولة العليا.
تنسيق الهجوم الإسرائيلي:
وفقاً لتقديرات أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية التي قدمت للمستوى السياسي جاء فيها أن “إيران على بعد أسابيع فقط من امتلاك قنبلة نووية إذا قررت ذلك”، وهذه معلومات تم الحصول عليها قبل بدء الهجوم.
أشارت المعلومات إلى أن إيران اتخذت قرارًا ببدء تطوير السلاح النووي بعد هجوم حماس على غلاف غزة. وتم تجنيد نخبة من العلماء الإيرانيين، وتوزيعهم على عدة مجموعات عمل، كل واحدة منها أوكل إليها مشروع لتطوير مكون محدد من مكونات السلاح النووي. بدأت هذه المجموعات العمل قبل نحو عام ونصف، أي في نهاية 2023 – بداية 2024، بعد هجوم 7 أكتوبر. ولذلك نفذ جهاز الموساد عملية سرية شملت إدخال مكونات طائرات درونز وصواريخ موجهة داخل إيران، بهدف العمل من داخل الأراضي الإيرانية. فقد أنشأ الموساد قاعدة سرية للمسيّرات بالقرب من طهران، حيث استخدمت هذه المسيرات لاستهداف أنظمة الدفاع الجوي ومطلقات الصواريخ الباليستية قبل وأثناء الغارات الجوية الإسرائيلية.
تداعيات الهجوم الأمريكي:
طهران لديها عديد من الخيارات والمسارات التي يمكن من خلالها أن ترد على هذا الهجوم الأمريكي المباغت، وكل سيناريو منه له تكلفته، وبالتأكيد الإدارة الأمريكية ومعها الاحتلال الإسرائيلي تضعا ذلك في اعتبارها.
(*) الرد العسكري المباشر على القواعد الأمريكية في المنطقة: إذ قد يفضي إلى مواجهة شاملة تتجاوز حدود الصراع الإيراني–الأمريكي لتطال دولاً أخرى لتصبح حرب عالمية ثالثة. ومع ذلك، فإن هذا الرد يحمل في طياته مخاطر التصعيد المفتوح الذي قد لا تملك طهران القدرة على السيطرة عليه، خاصة في ظل التفوق العسكري الأمريكي.
(*) إغلاق مضيق هرمز: أهمية مضيق هرمز الكبيرة كونه يمر من خلاله ثلث نفط العالم، وإيران أيضاً لديها القدرة العسكرية الكافية لعرقلة الملاحة أو حتى إغلاق مضيق هرمز مؤقتاً، سواء باستخدام الألغام البحرية، أو الزوارق السريعة التابعة للحرس الثوري، أو الصواريخ الساحلية المضادة للسفن. وهي بالفعل لوحت بهذا الخيار مراراً منها قبل أيام، وتعتبره “ورقة الردع الاقتصادية الكبرى”، لكن هذا الخيار ربما يجلب غضباً دولياً وإقليمياً كبيراً ضدها،
(*) العودة إلى التخصيب الكامل: وهو إعلان إيران انسحابها من معاهدة حظر الانتشار النووي (NPT)، والعودة إلى التخصيب بنسبة تتجاوز 90%. وهذا الرد سيكون بمثابة رسالة واضحة بأن طهران لن تتخلى عن برنامجها النووي تحت التهديد، لكنه في الوقت ذاته يفتح الباب لتدخلات دولية واسعة النطاق، وقد يستخدم لتبرير عمليات عسكرية شاملة ضد إيران تحت غطاء أممي.
(*) قصف مكثف على إسرائيل بما في ذلك مفاعل ديمونة: أحد أهم الخيارات أمام إيران أن توجه هجمات صاروخية عنيفة إلى إسرائيل. وقد يكون ضمنها استهداف مفاعل ديمونة الإسرائيلي النووي، لا سيما من خلال الصواريخ الباليستية بعيدة المدى مثل “سجيل” أو “خرمشهر”، أو من خلال طائرات مسيّرة متطورة. لكن قد يكون من الصعوبة تنفيذه، نظراً للتحصينات الإسرائيلية الكبيرة حول المفاعل، ومنها أنظمة دفاع جوي شديدة التحصين من بينها القبة الحديدية ومقلاع داوود وحيتس 3.
ماذا بعد؟ يبقى الخيار الإيراني مرهونًا بموازين القوة، ومواقف الحلفاء، وحسابات الربح والخسارة في معركة طويلة الأمد، تتجاوز حدود الضربات الجوية. وليس أمام إيران من خيار يوفر عليها كل هذه النتائج والنهايات سوي أن تصمد وتقاوم هذه المخططات والمؤامرات حتى النهاية، وليكن بعد ذلك ما يكون، فانهيار إيران، سوف يكون كارثة كبيرة على المنطقة برمتها. قد يصعب التنبؤ بحجمها ومداها بدقة الآن، فغيابها من معادلات الأمن الإقليمي سوف يخلق فراغًا أمنياً كبيراً لن يستغله ويتمدد فيه سوي إسرائيل، وإعادة رسم موازين الشرق الأوسط الجديد وفقاً للرؤية الأمريكية الإسرائيلية
المصدر: مركز رع للدراسات الاستراتيجية
الكاتب: د.سهرة القاسم
التاريخ: 22/6/2025
---------------------------------------------------------
المصدر: الجزيرة نت
الكاتب: د. محمد إبراهيم المدهون
التاريخ: 23/6/2025