كيف يُستخدم الذكاء الاصطناعي في مواجهة الأزمات الدولية؟
WhatsApp Image 2024-05-15 at 4.21.15 PM (1)

تعدَّدت الأسباب التي دفعت بالحلول التكنولوجية، ولا سيما الذكاء الاصطناعي، في مواجهة الأزمات الدولية؛ فلم تعد الطرق التقليدية التي تتطلب أمداً زمنياً طويلاً لمعالجة وتحليل البيانات المتعلقة بتلك الأزمات تجدي نفعاً مع فداحة الخسائر المادية والبشرية الناجمة عنها. ومن ثمَّ، تزايدت أهمية البحث عن طرق متطورة وأساليب عملية وسريعة لمجابهة تلك الأزمات، بعد أن شهدت الأعوام القليلة الماضية عدداً منها، وبخاصة أزمة جائحة كوفيد–19 وما ترتب عليها من إغلاق عالمي وتعطل سلاسل الإمداد، بجانب تعدد الأزمات الدولية الناجمة عن الكوارث الطبيعة (مثل زلزال تركيا وسوريا، وفيضانات درنة، وإعصار كندا). وعليه أُثيرت تساؤلات عن الأدوار التي يمكن للذكاء الاصطناعي أن يلعبها في مواجهة تلك الأزمات، ومدى إمكانية توظيفه إمداد صُنَّاع القرار بالأدوات والمعلومات المناسبة للحد من مخاطرها.


حدود الأدوار

تتعدد استخدامات الذكاء الاصطناعي في الأزمات الدولية؛ الأمر الذي يمكن الوقوف على أبرز ملامحه من خلال النقاط التالية:

1 - دعم عملية صناعة القرار: تعد قدرة الذكاء الاصطناعي على اتخاذ القرار الصحيح واحداً من أهم إيجابيات؛ إذ يمكن الاعتماد عليه لاتخاذ قرارات منطقية خالية من العواطف دون التأثر بمختلف العوامل والمؤثرات المحيطة. وبعبارة ثانية، فإن استخدام الذكاء الاصطناعي يُمكِّن من اتخاذ قرارات موضوعية استناداً إلى المعلومات المتاحة، من خلال تطبيق مجموعة من الخوارزميات التي تقلل من الأخطاء، وتزيد من فرصة الوصول إلى القرار المناسب بدقة متناهية، كما يمكن استخدامه لتصحيح المعلومات الخاطئة التي يشاركها عامة المواطنين والتي يكثر انتشارها في حالة الأزمات الدولية.

2 - تحليل توجهات الرأي العام: يمكن للذكاء الاصطناعي أن يحلل أحجاماً هائلةً من المعلومات (بيانات ضخمة) بدقة متناهية؛ ما يعني تمكين صانع القرار من التعرُّف على الأفكار والتوجهات الشعبية وتحليلها وتوقُّع مساراتها من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، ومحركات البحث على الإنترنت، وغير ذلك من الوسائل المتاحة. وهو ما يُمكِّن صانع القرار من الوقوف على توجهات الرأي العام تجاه مختلف أبعاد وزوايا الأزمة الدولية قبل اتخاذ أي قرار رسمي؛ فلا شك في تزايد أهمية مراقبة البيئة المحيطة، وردود أفعال الرأي العام الحالية والمحتملة للوقوف على مختلف اتجاهات الأزمة الدولية من ناحية، وإن تطلب الأمر إعـادة تكييف الاستجابة الوطنية للأزمة الدولية علـى النحـو الأمثل من ناحية ثانية.

وعموماً، يمكن تحليل المحتوى الذي يتداوله المواطنون عبر مختلف منصات التواصل الاجتماعي عن مختلف الأزمات الدولية باستخدام بعض التطبيقات والبرامج المجانية والمدفوعة؛ فعلى صعيد موقع "يوتيوب" على سبيل المثال، وفي حال تحليل أحد الفيديوهات ذي الصلة بالأزمة الدولية محل التحليل، يمكن الاستفادة من بعض البيانات التي يقدمها (YouTube.com/analytics) ذات الصلة بمدة الفيديو، والتركيبة السكانية للمشاهدين، وتوزيعهم الجغرافي، ومصادر المشاهدات، وغير ذلك.

كما يمتلك "فيسبوك" بيانات تفصيلية عن المستخدمين، مثل بياناتهم الديموغرافية، واهتماماتهم الخاصة؛ ما يمكن الإفادة منه في تحليل المحافظات التي ازداد/نقص فيها الوعي بالأزمة الدولية، محدداً بالوظائف والشرائح الاجتماعية، وهو الأمر الذي يمكن اعتباره بديلاً محتملاً عن قياسات الرأي العام اللازمة لبلورة خطاب يلبي تطلعات واحتياجات كل شريحة اجتماعية على حدة، على نحو يراعي التباينات الهيكلية بين محافظة وأخرى.

3 - إمكانية التنبؤ المسبق: يمكن للذكاء الاصطناعي أن يسهم في توقع بعض الأزمات الدولية المحتملة على المدى الطويل، بل تحديد المدى الزمني المتوقع لحدوثها، وما يتصل بذلك من تداعيات محتملة، سواء صحية، أو أمنية، أو سياسية، أو غير ذلك، وهو ما يعني إمكانية بناء أنظمة إنذار مبكر استباقاً لأزمات دولية محتملة من خلال تحليل بيانات أزمات سابقة ومتغيرات حالية وصور متاحة ومقاطع فيديو حديثة في الوقت الفعلي؛ ما يُمكِّن من بناء خريطة ديناميكية للمخاطر المحتملة، بالتوازي مع محاكاة تفاعلية تتيح المجال لاتخاذ التدابير اللازمة للتخفيف من آثار الأزمة الدولية قبل وقوعها.

4 - التحليل الدقيق للبيانات: يمكن للذكاء الاصطناعي تعزيز جمع البيانات ومعالجتها وتحسين نمذجة المخاطر، من خلال استخراج أنماط معقدة تتناسب مع الأحجام المتزايدة من البيانات المتاحة والاتصالات الطارئة؛ فمن خلال فحص البيانات في الوقت الفعلي، يمكن التصدي لأزمة دولية راهنة، بينما يساعد التحليل التاريخي على توقع النتائج المحتملة، بناءً على مواقف مماثلة في الماضي؛ ما يخفف المخاطر بشكل أفضل من خلال تنفيذ تدابير استباقية بدلاً من التدابير التفاعلية.

5 - محاكاة أزمات محتملة: تستطيع نماذج المحاكاة أن تختبر العلاقات بين مختلف المتغيرات من خلال القدرة والمحاكاة الحاسوبية التي يمكنها توليد عدد كبير من المفردات، وتنفيذ عدد هائل من الأوامر، ومن ثم صناعة وتوليد مجتمع اصطناعي يحاكي ما يحدث من تشابكات وعلاقات خطية بين مختلف الدول عبر فترات زمنية مختلفة، وتحليل ذلك في وقت قصير جداً، مقارنةً بالتحليلات المكتبية والاستشارات الاستخبارية، وهو الأمر الذي يعزز الوعي الظرفي، ويسهل اتخاذ قرارات مستنيرة؛ ذلك أن جمع البيانات وتنظيمها وتقديمها بشكل واضح، استناداً إلى محاكاة للأزمات المحتملة، يمكن أن يسمح لصانع القرار ومسؤولي العلاقات العامة بوضع استراتيجيات أكثر كفاءةً للاستجابة للأزمات حال حدوثها.


أهم التحديات

يفرض تطبيق الذكاء الاصطناعي في إدارة الأزمات الدولية تحديات عدة تتصل بصورة رئيسية بالمخاوف المتعلقة بخصوصية البيانات، ونقص المعلومات، وتراجع الثقة بأنظمة الذكاء الاصطناعي، وتعدد الاعتبارات الأخلاقية. ويمكن بوجه عام الوقوف على أبرز تلك التحديات من خلال النقاط التالية:

1– التضليل السياسي المحتمل: لا يمكن إغفال تكلفة الذكاء الاصطناعي المرتفعة، وعدم قدرته على اتخاذ القرارات باستخدام العاطفة التي لا غنى عن الانسياق وراءها في بعض الحالات، لا سيما في حالة القرارات الجماهيرية، كما لا يمكنه ابتكار حلول فريدة للتحديات السياسية؛ بسبب افتقاره إلى الإبداع؛ إذ لا يمكن له إنتاج أفكار "أصلية"؛ ما يحد من قدرته على اتخاذ القرارات المبتكرة؛ إذ سيختار الذكاء الاصطناعي الأفضل في ظل الظروف المتاحة إلى أن يتعلم قراءة وفهم المشاعر الإنسانية.

ويظل قراره النهائي رهناً بحجم وجودة البيانات التي يمتلكها من ناحية، وخلوها من التحيزات السياسية من ناحية ثانية؛ فالتحيز ليس مجرد مشكلة اجتماعية أو ثقافية فحسب، وقد تؤدي عيوب التصميم أو البيانات الخاطئة وغير المتوازنة التي يتم إدخالها في الخوارزميات – من جراء ضبابية وندرة المعلومات المتاحة كما هو الحال في بعض الأزمات الدولية – إلى قرارات متحيزة يجانبها الدقة.

2 - إهمال احتياجات دول الجنوب: يتطلب استخدام الذكاء الاصطناعي في مواجهة الأزمات الدولية تدريباً وإعادةَ تأهيلِ مختلف أصحاب المصلحة، بما في ذلك الأجهزة الأمنية، والمؤسسات المعنية بصنع القرار، ومؤسسة الرئاسة، وغير ذلك، بيد أن واقع الأمر يشير إلى احتكار بعض المعاهد والشركات التكنولوجية وعمالقة التكنولوجيا لتطبيقات الذكاء الاصطناعي، ليصعب على مختلف تلك الأجهزة في عدد كبير من الدول النامية والفقيرة الحصول على البرامج والتطبيقات اللازمة لتحليل المعلومات والبيانات، على نحو يغفل احتياجات الجنوب العالمي.

3 - عدم كفاية المعلومات المتاحة: لا يخفى نهم وتعطش الذكاء الاصطناعي إلى البيانات اللازمة لاتخاذ القرار المناسب والتنبؤ بالسيناريوهات المحتملة، وهو ما يتناقض مع بعض سمات وخصائص الأزمات الدولية؛ ففي الأخيرة تغيب الحقائق بسبب كمية المتغيرات الكبيرة التي يجب على صانع القرار أن يأخذها في الاعتبار، فضلاً عن سرعة تغير الحقائق في حالات، وتشوشها في حالات ثانية، وهو ما يعني أن الأجهزة الأمنية والسياسية قد لا تتمكن من توظيف أنظمة الذكاء الاصطناعي على وجه الدقة للوصول إلى القرارات المطلوبة؛ من جراء ندرة المعلومات المتاحة في بعض الحالات. وبعبارة ثانية، فإن ضمان الأداء الدقيق، يتطلب مدخلات عالية الجودة كي تحللها خوارزميات الذكاء الاصطناعي بفاعلية متزايدة. وقد تؤدي البيانات ذات الجودة المتدنية أو المتحيزة، إلى توقعات غير صحيحة قد تؤدي إلى تفاقم الأزمات بدلاً من تخفيفها.

4 - خلق ومفاقمة أزمات طبيعية عالمية: يستخدم الذكاء الاصطناعي الكثير من الطاقة؛ ما يعني أنه قد يصبح جزءاً من أزمة دولية محتدمة بالفعل وهي أزمة التغيرات المناخية؛ إذ إن تخزين البيانات ومعالجتها في مراكز البيانات أو في السحابة عبر مراكز مختلفة يتطلب أعداداً ضخمة من الآلات التي تجري عمليات حسابية معقدة كثيفة استخدام الطاقة؛ فلكي تقوم إحدى الخوارزميات بتدريب نفسها على فهم أزمة دولية بعينها، فإنها تحتاج إلى معالجة ملايين الصور ذات الصلة بتلك الأزمة، وما على شاكلتها من أزمات سابقة في أماكن مختلف حول العالم. وفي هذا الصدد، يمكن مقارنة النظام البيئي لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات (التي تعد مراكز البيانات جزءاً منها) بقطاع الطيران من حيث انبعاثات الوقود؛ ذلك أن تدريب نموذج كبير للذكاء الاصطناعي للتعامل مع اللغة البشرية، يمكن أن يؤدي إلى انبعاث ما يقرب من 300 ألف كيلوجرام من مكافئ ثاني أكسيد الكربون (أي نحو خمسة أضعاف انبعاثات متوسط ​​السيارات في الولايات المتحدة، بما في ذلك تصنيعها)، وقد يؤدي تدريب نموذج ذكاء اصطناعي واحد فقط إلى توليد انبعاثات كربون أكثر مما يستهلكه 56 شخصاً في السنة الواحدة.

5 - تعدد الإشكاليات المتعلقة بخصوصية البيانات: غالباً ما يتطلب توظيف الذكاء الاصطناعي – سواء في عمليات إدارة الأزمات الدولية أو لغير ذلك من استخدامات – التعامل مع كميات هائلة من المعلومات الحساسة؛ ما يثير المخاوف المتعلقة بخصوصية البيانات، ولا سيما في الحالات التي يتم فيها جمع معلومات عن الرأي العام أو توجهاته أو آرائه من مختلف وسائل التواصل الاجتماعي، وهو ما يؤكد حاجة الشركات إلى الاستثمار بكثافة في تدريب مختلف المؤسسات السياسية ذات الصلة على الاستخدام الفعال لتقنيات الذكاء الاصطناعي دون المساس بحقوق المستخدمين.

6- تصاعد المخاوف الأخلاقية: من شأن توظيف الذكاء الاصطناعي، ضمن استراتيجيات إدارة الأزمات، أن يثير تساؤلات عدة عن العدالة والمساءلة والشفافية؛ فلا ينبغي التركيز على الاستفادة من توظيفه فحسب، بل ينبغي التركيز على كيفية القيام بذلك بشكل مسؤول يتوافق مع الأطر الأخلاقية أيضاً على نحو يسمح بالتدخل البشري؛ فعلى الرغم من قدرة الذكاء الاصطناعي على أتمتة الاستجابات وتحليل البيانات بكفاءة، فإنه يفتقر إلى القدرة على التعاطف والتواصل البشري. ولا شك أن الأزمات الدولية ستتطلب حتماً تدخلاً بشرياً لمعالجة المخاوف المتأججة، ولا يمكن للذكاء الاصطناعي أن يحل محل متطلبات الاتصال الدقيقة التي تستخدمها فِرَق وشركات العلاقات العامة في المواقف والأزمات العالية المخاطر.

ختاماً، على الرغم من توافر عدد من الأدوات والتطبيقات التي يمكن توظيفها في مواجهة الأزمات الدولية التي قد تسهم في التنبؤ بها، فإنها لا تزال بحاجة إلى مزيد من التطوير والتفعيل والانتشار كي تحقق الآمال المرجوة منها، بيد أن الأدوار الأخرى التي يلعبها الذكاء الاصطناعي في مواجهة الأزمات الدولية، لا تقل أهميةً عن التنبؤ بها؛ إذ تكفل اتخاذ خطوات استباقية قبل وقوعها، وفهم المخاطر المحتملة لها على نحو أفضل، والتخطيط المسبق للتخفيف من الأضرار المحتملة، وتحديد أفضل طرق الاستجابة في ظل محدودية الوقت المتاح.

 

المراجع:

رغدة البهي، ب، ت، كيف يُستخدم الذكاء الاصطناعي في مواجهة الأزمات الدولية، انترريجونال.

محمد معاذ، 10.4.2020، كيف تساعد البيانات الذكاء الاصطناعي في مواجهة أزمة كورونا؟، الجزيرة نت 

المقالات الأخيرة